يحمى ولا يعتدى.. عقيدة الجيش المصرى منذ آلاف السنين
التاريخ العسكرى شاهد على عظمة الأجداد والأحفاد
ارتبطت قوة مصر بقوة جيشها على مدار التاريخ منذ أن وحد الملك مينا القطرين ليظل دوره حماية الوطن والدفاع عنه، عقيدة الجيش المصرى منذ فجر التاريخ، وإلى الآن دفاعية طوال آلاف السنين لم يكن جيشًا معتديًا، ودائمًا فى وضع دفاع عن الوطن حتى وإن تحرك خارج أرضه فى بعض العصور، فالغرض حينها، هو حماية مصر من أخطار خارجية.
أغلب ملوك مصر وحكامها كانوا حريصين على تأسيس جيش قوى وله عقيدة واحدة ثابتة لم ولن تتغير هى الدفاع عن الوطن، وهو ما تأكد جلياً فى موسوعة مصر الحديثة وهى من أبرز مؤلفات عالم الآثار الكبير الراحل الدكتور سليم حسن، وجاء فيها أن الملك زوسر حرص عندما وصل إلى حكم مصر على تكوين جيش قوى للدفاع عنها وحمايتها من الأعداء المغيرين عليها من الخارج، ووضع نظامًا دقيقًا لبناء جيش يحقق مصلحة الوطن والدفاع عنه، كذلك فعل الملك سنفرو الذى كان حريصًا فى جيشه وتحصيناته على أن تصد عن مصر الغارات والمخاطر الخارجية. وحافظ الجيش المصرى على مدار التاريخ على القيم وأخلاق السلم والحرب.
الباحث الأثرى بوزارة السياحة والآثار الدكتور محمد جودة يكشف فى دراسة له أن مصر من أقدم الحضارات فى تكوين الجيوش المنظمة والمدربة منذ عصر الدولة القديمة، حيث كان جيشًا وطنيًا من الطراز الفريد مؤلفًا من وحدات حربية تحت إشراف ضباط متخصصين، ولم يكن يتكون من جماعات من الرجال المسلحين يقود كل جماعة منهم سيدهم، وكان التجنيد بالجيش فى مصر القديمة فى طليعة المهن التى تسبغ الشرف على صاحبها، ووصل الأمر أن الجندى حظى بالاحترام والتقدير مثلما حظى الكاهن نفسه.
ويستطرد: «كان يتم تجنيد الشباب داخل الجيش المصرى القديم، من أواخر سن المراهقة ما يقرب من سن العشرين، وكان المجندون يقضون مدة خدمتهم العسكرية فى الجيش ربما لسنة أو سنتين بصفة موسمية، بحسب الغرض الذى يتم التجنيد من أجله كالعمل فى المحاجر أو الحملات العسكرية، وكان يتم استدعاء الجُندى للتجنيد داخل الجيش مرة أخرى فى حالة طلب الملك له فى أى وقت، وقد ظل هذا النظام فى عملية تجنيد الشباب داخل الجيش المصرى متبعًا حتى الوقت الحالي، حيث إنه بعد إنهاء الجندى فترة خدمته العسكرية من المحتمل استدعاؤه مرة أخرى لأداء خدمة عسكرية معينة داخل الجيش.
الزى العسكرى فى مصر القديمة
الجنود فى الجيش المصرى القديم، كانوا يرتدون عادة بزة قصيرة من الأمام، كى تساعدهم على سهولة الحركة والخطوات السريعة، وكان يغطى بطونهم هدبة خاصة صنعت فى الغالب من الجلد مثلثة أو على شكل قلب، وقد توحد شكل اللباس الحربى فى الجيش المصرى منذ عصر الدولة القديمة، كما عرف الجيش فى مصر القديمة عدة أفرع، منها سلاح المشاة الذى كان عماد الجيش، لأن جنوده هم الذين يعملون فى الأراضى المفتوحة ويقيمون فى الحصون لحراسة الممرات المؤدية إلى الوطن.
كذلك سلاح المركبات الذى تأسس فى الجيش المصرى القديم فى منتصف الأسرة الثامنة عشرة، حيث ظهر لقب «حامل لواء مقاتل المركبة» للمرة الأولى فى عهد الملك «أمنحتب الثالث»، واعتبرت المركبات منذ ظهورها سلاحًا مميزًا كوسيلة نقل مهمة لسائقيها والمقاتلين عليها لسهولة تحركها من وإلى أى مكان، فقد تم استخدامها فى نقل الجنود إلى ساحة القتال واستخدمت كدرع واقية أثناء تقدم الجنود المشاة، وفى غير أوقات الحرب، وكانت المركبات الحربية تتقدم الجيش خلال المعارك ثم يتبعها المشاة، لإيقاف تقدم جنود العدو فى حالة هزيمة الجيش، وعملت المركبات الحربية أيضًا على حماية مقدمة الجيش ومؤخرته أثناء التحركات العسكرية، وتعقُب جنود الأعداء أثناء الاشتباكات، حيث كان سلاح المركبات يتكون من خمسين كتيبة مركبات، ومن خلال خطابات العمارنة عرفنا أن عدد الكتيبة كان يتكون من عشر مركبات.
أيضًا استخدم المصريون القدماء السفن فى نقل القوات الحربية إلى غربى آسيا عبر البحر، ليتفادوا السير الطويل عبر طريق حورس الحربى، وذلك منذ فترة مبكرة من تاريخهم، فمنذ بداية عصر الأسرات عمل المصريون على نقل جيوشهم جنوبًا إلى بلاد النوبة عبر نهر النيل، وكان الدور العسكرى الرئيسى الذى يقوم به الأسطول هو نقل القوات، والمؤن والإمدادات لمسافات طويلة، وفى مناسبات قليلة كان يقوم بالاشتباك مع العدو، وكان طاقم السفينة المقاتلة يتكون من 200 جندى فى السفينة الكبيرة وعلى رأسهم حامل علم وضابط من رتبة قائد بحارة، وكان من أهم ألقاب ضباط البحرية لقب «المشرف على كل سفن الملك».
الدكتور أحمد ذكرى، مفتش آثار، يوضح أن الجيش المصرى فى الدولة القديمة والدولة الوسطى كان الهدف منه حماية مصر والدفاع عنها أمام أية أخطار أو هجمات قد تتعرض لها من الخارج، وبدأ يخرج على نطاق واسع فى الدولة الحديثة، وذلك بعد دخول الهكسوس مصر، واستقرارهم فيها فترة زمنية طويلة.
يقول «وبعد طرد الهكسوس خارج البلاد، بدأت مصر فى تأمين حدودها من الخارج فى بلاد الشام وغيرها، وذلك بغرض عمل حائط صد لمنع أى هجمات محتملة، كما أن السياسة الحربية للملك رمسيس الثانى فى إطار خطته للدفاع عن البلاد قامت على أساس إعداد القلاع المحصنة أو المدن الصغيرة المنيعة، وربط هذه المعاقل ببعضها البعض والمدن الرئيسية المحصنة التى قام بإنشائها»، مضيفًا «كما جعل رمسيس الثانى بعضًا من هذه المدن مستودعًا مجهزًا بالمؤن والذخائر الحربية، كى تتزود بها جيوشه بما تحتاج إليه قبل الخروج فى أى مرة لحماية البلاد من خطر قادم من الخارج».









