الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أعمدة التنمية المستدامة

أعمدة التنمية المستدامة
أعمدة التنمية المستدامة




كتب: د. محمد محيى الدين حسنين

فى إطار دائرة النار التى تحيط بمصر منذ أربعة أعوام من اتجاهاتها الثلاث، شمالا وغربا وجنوبا، والمؤامرات التى تحاك ضدها داخليًا وخارجيًا، لم يعد لدينا رفاهية الانتظار لإصلاح هياكل الدولة وإيقاف انحدار منحنى التنمية وتحويلها إلى تنمية مستدامة تقوم على أسس متينة ندخل بها إلى عصر تخلفنا عنه طويلا ونصبح طرفًا فاعلاً فى الحضارة الإنسانية ونتحول من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج قوى.
ومع تشابك الاسباب وتعدد التحديات فقد يصعب على البعض تحديد نقطة البداية وأعتقد، وقد يشاركنى الكثيرون، أنه لتحقيق تنمية مستدامة للأجيال الحالية والمسقبلية أن تلك النقطة تبدأ بالإنسان فبه تبدأ التنمية واليه تعود ومن ثم تقوية وإصلاح الأعمدة الثلاث للتنمية البشرية وهى التعليم والبحث العلمى والتدريب والتى تعد ضرورة ملحة إذا أردنا بناء الدولة الحديثة، وبدونها فاننا نبنى قصورا فى الهواء تتهاوى مع أقل هزة داخلية أو خارجية ومن حسن الطالع أن تلك الأعمدة موجودة وإن كان قد أصابها الوهن ولا تحتاج إلا إلى إصلاح وإرادة سياسية وشعبية  تؤمن بالتنمية البشرية ومن حسن الطالع أيضًا أن لنا تاريخًا طويلاً فى مجال التعليم والبحث العلمى والتدريب ومن ثم فإننا لن نبدأ من نقطة الصفر، فقد عرفنا التعليم الحديث منذ أوائل القرن التاسع عشر ولدينا أقدم جامعات الشرق الأوسط.
ما زال الذين عاصروا مصر قبل نكسة 1967 يتذكرون كيف كانت المدرسة تعج بالأنشطة الثقافية وجماعات الخطابة والفرق الرياضية التى تتنافس على بطولات فى مختلف الألعاب وما زالوا يتذكرون وكذلك مطاعم المدارس التى كانت تقدم وجبات ساخنة ومتكاملة للطلاب وكيف كان المدرس محترما مهابا ومعطاءً  يفخر بمهنته ويلقى احترام المجتمع والطلاب ولم يكن الطلاب فى حاجة إلى دروس خصوصية أو الذهاب إلى مراكز للتقوية والتدريب على اجتياز الاختبارات بطريقة الحفظ ثم إفراغ ما يحفظونه فى أوراق الإجابة، وما زال أحد علمائنا الذين حصلوا على نوبل وهو الدكتور أحمد زويل يتغنى بالتعليم الذى تلقاه فى مصر ويشيد بأساتذته فى جامعة الإسكندرية.
اختفى كل ذلك وأصبحت من ذكريات الزمن الجميل، وأردت أن أذكر القارئ بذلك لنعرف أن إعادة التعليم إلى ما كان عليه لا يحتاج إلى معجزة أو مليارات الجنيهات وطوابير الخبراء على ضرورتهم واهميتهم، وإنما كل ما نحتاجه هو الجدية وإعادة هيبة المدرس وإعادة احترام المجتمع له مرة أخرى، ويأتى ذلك فى الاهمية قبل الأبنية والتكنولوجيا فإذا أحسنا اعداد المدرس مهنيا وخلقيا، استطعنا اعادة الجدية والاتقان إلى العملية التعليمية وأعدنا المدرس إلى سابق عهده عندما كان قدوة لطلابه.
يجب أن يتبنى مجموعة من نخبتنا السياسية حملة قومية لخلق بيئة حول المدرسة تؤكد قيمة التعليم النوعى وليس الكمى وربما ننتهز هذه الفرصة لأن نطلب من الاعلام والقائمين على الفنون أن يرفعوا أيديهم عن التعليم فكفانا سخرية واضحاكًا وسامح الله مؤلف مدرسة المشاغبين وغيرها من المسرحيات والأفلام التى اصبحت النموذج المحتذى لطلابنا.
وما يقال عن التعليم يسرى على البحث العلمى الذى أصبح صوريا وفقد صلته تماما بقضايا المجتمع والصناعة واصبح مسوغا للترقية إلى مناصب الاستاذية دون جوهر أو عمق. ومرة أخرى فالبحث العلمى لا يحتاج إلى مليارات الحكومة ونصوص فى الدستور وفرض نسب فى موازنة الدولة ويكفيه أن يرتبط بمشاكل الصناعة والأعمال ويؤكد قدرته على حلها وتقديم التوصيات المناسبة لها ليلقى الدعم المادى الذى سيؤسس المختبرات ويوظف الباحثين ويساعدهم على التفرغ للبحث والابتكار بدلاً من اللجوء إلى كتابة أبحاث «قص ولزق» توضع فى الأدراج بعد أن ينال صاحبها الترقية المطلوبة.
وأخيرًا فقد آن الأوان لأن يصبح التدريب المهنى لتخريج عمال مهرة نفتقدهم فى صناعاتنا وزراعتنا وأعمالنا التجارية وأن يصبح التدريب المستمر والحقيقى وعلى كل المستويات الوظيفية والأكاديمية مطلبا مجتمعيا فى كل القطاعات فكل يوم هناك جديد فى العلم والتكنولوجيا ومعلوماتنا تحتاج إلى تحديث وتطوير حتى آخر يوم فى حياتنا الوظيفية والعملية.
آن لنا أن نخرج من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، فنحن نحتاج إلى تعليم وبحث علمى وتدريب بجد، إذا أردنا أن نغلق فجوة التخلف وقبل أن نهوى فيها.