الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رشا غانم: المرأة مبدعة فى كل العصور حتى فى ظل ثقافة ذكورية سائدة

رشا غانم: المرأة مبدعة فى كل العصور حتى فى ظل ثقافة ذكورية سائدة
رشا غانم: المرأة مبدعة فى كل العصور حتى فى ظل ثقافة ذكورية سائدة




حوار - رانيا هلال

 

لحضارة الأندلس البائدة سحر غامض ينبع من عبق تاريخها العامر بشتى أنواع المعرفة والفنون وممن سحروا وانجذبوا لهذه الحضارة الثرية المميزة كانت الناقدة الدكتورة رشا أبو بكر سعد غانم، التى حصلت على دكتوراه الأدب العربى بمرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم جامعة القاهرة 2013م وتعمل مدرسا للنقد الأدبى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة .. عن علاقتها بالسفر والحضارة الأندلسية كان لنا معها هذا الحوار.

■ من خلال مجال دراستك فى الأدب المقارن وتحديدا فى الأدب الأندلسي، أين نحن من عصر الازدهار الأندلسى وهل من سبيل لاستعادة تلك الأمجاد الفكرية؟
ــ الأندلس حضارة امتدت ثمانية قرون صنع فيها العرب المسلمون أعظم الأمجاد فى حضارة مزهرة، ونستعيد نضال أجدادنا العرب من خلال كتابتنا عنهم فنجد روايات حديثة منها «موجيتوس» للكاتب منير عتيبة و«الموريسكى الأخير» للكاتب صبحى موسى تستنطق جلَّ هذه الأحداث العظام فى تاريخ الأمة العربية، وكان لى سلسلة أدبية تضم إبداعات شعراء الأندلس، تتخيل الكاتبة أنها ببستان جميل ،ملىء بالأزهار الجميلة اليانعة تيمنًا بما اشتهرت به الأندلس من طبيعة جميلة بصبحها المسفر ودوحها المثمر وهى تتأمل كل زهرة ثم تحكى مع واحدة منهن فى كل حلقة، وتعرف سر كل زهرة وحكايتها ومن خلال منظر جميل وحكاية مشوقة نعرف اسم الشاعر وصفته وإبداعه الشعرى الذى تحمل اسمه الزهرة ،فى حوار ثرى ممتع، تصل السلسلة لمائة شاعر أندلسى أشادوا صرح الحضارة الإسلامية فى الأندلس (92هـ-898هـ) بإبداعاتهم الشعرية وخصب خيالهم الذى خضبته الطبيعة الجميلة، كما تحمل سلسلة بستان الأندلس صورا لكل المدن الأندلسية وفن العمارة الأصيل الذى ينم عن الحضارة والرقى الذى شيده المسلمون هناك، وأعمل الآن على ترجمتها للغة الإسبانية، وأتمنى ترجمتها لجميع اللغات. ونحن الآن فى عصر يبعد عن عصر أجدادنا فى بلاد الأندلس فى كل شيء، دعينى أقول لك كيف كان هذا العصر يحترم العلم والعلماء ونحن للأسف نفتقد ذلك الآن وتعلمين كثرة هجرة العلماء والمبدعين خارج مصر ولكن الأمل ما زال معقودا والخير يكمن فى الوعى وخاصة لجيل الشباب الطامحين وهم كثر ولكن علينا مساعدتهم والوقوف بجانب إبداعهم.
■  كيف استفدت من تجاربك وسفرك وتجوالك وكيف رأيت واقعنا العربى ثقافيا؟
ــ السفر مفيد لكل إنسان على هذه البسيطة فما بالك بباحث أكاديمى تكون سفرته من أجل زيادة خبراته المعرفية فهو يشارك فى المؤتمرات العلمية ويستمع إلى علماء أجلاء قد يكون لم يسمع عنهم إلا عن طريق كتاباتهم فقد تشرفت بصحبتهم وتعلمت منهم كثيرا، وأهدونى مجموعة من الكتب الأدبية التى تضم إبداعاتهم وغيرها من كتب أخرى نفيسة حصلت عليها من المكتبات التراثية هناك،ليدل ذلك على أن العقول نبراسها العلم هو سلاح التحدى الذى يقهر به أى عدو، فهنا تبادل ثقافى أكثر مرونة كما يتعرف الباحث على طبيعة البلد التى يسافر إليها ومدى ثقافتها وعلاقتها ببلادة فتصير الثقافة نقطة ارتقاء الشعوب، وبالنسبة لى تعلمت الكثير من أسفارى وخاصة سفرى السنة الماضية وقبل الماضية فى مؤتمرين بالعراق، وكيف حذرنى كثير من الأصدقاء بعدم السفر لانعدام الأمن هناك، وما سيكون ذلك من خطر علي، ولا أنسى كم الترحيب الذى نلته هناك وبالأخص لأننى أحمل اسم بلدى العظيم مصر.
■  ماذا عن تجربتك فى النشر الحكومى والخاص؟
ـــ بالنسبة لكل باحث يتمنى أن تنشر كتبه تبعا لجهة حكومية نظرا لتكاليف النشر الباهظة واستغلال بعض دور النشر الخاصة وأسعدنى الحظ بنشر كتابى الأول بعنوان: «مقاييس الجمال فى مرآة النقد العربي» بالهيئة المصرية العامة للكتاب أما كتبى الثلاثة الأخرى وهى على الترتيب: «الشعر فى شرقيَّ الأندلس»، «الإبداع فى الشعر العراقى المعاصر»، «موسوعة بستان الأندلس» على نفقتى الخاصة.لأننى غير مستعدة أن انتظر سنوات وسنوات لتأخذ دورها لدى دور النشر الحكومي.
■ كناقدة أكاديمية هل تشعرين بأزمة الناقد الأكاديمى أمام الناقد الانطباعى؟وكيف تصفينها؟
ــ العكس هو الصحيح.. الناقد الأكاديمى عندما يجد الساحة الثقافية غير مهيأة له ينأى بنفسه ويخلو للتأليف العلمى الرصين، ولكن الناقد الانطباعى تجديه فى كل مكان لا يقرأ الأعمال قراءة جيدة مدققة ولذلك لا يضيف للنقد الذى هو فى الأساس يضيف قيمة للمبدع ويحسن أداءه.
■ لك دراسة مهمة بعنوان «أثر الاحتلال الأمريكى فى الشعر العراقى المعاصر» حدثينا عنها؟
ــ شاركت بهذه الدراسة فى مؤتمر النقد الأدبى المنعقد فى مصر عندما عدت مباشرة من العراق السنة قبل الماضية حيث حمل الشعراء الهمَ الوطنى فى ضمائرهم وعايشوه من خلال انصهارهم فى بوتقة المجتمع الأبى الرافضِ للظلم والطغيان، فالشاعر يلقى بنفسه فى دائرة النار، حيث لا تطاوعه نفسُهُ على الصمت، فيدخلُ المعتركَ السياسى متسلحًا بقصائده وهذه القصائد تكون مشحونة بقوة عالية من التحريض والتنكيل بتعرية واقع الطغاة الموحش؛ فالشاعر الذى نحتاج إليه لتوجيه التغيير المنشود يقوم ناهضًا لإخراج الأمة من الفوضى والانهيار والتسيب والتشتت والقهر السياسى والفقر والحرمان, فهذه العوامل مجتمعة تمثل العوائق الحقيقية للتقدم وهى المستهدفة بعملية التغيير.
فالتاريخ العراقى الحديث والمعاصر على وجه الخصوص كان دائم الحضور فى الذاكرة الشعرية التى حفلت بالكثير من الأحداث والثورات التى غيرت خارطة البلد السياسية وخارطة العالم العربى عموما، وانعكس صداها واضحا فى مجمل النتاج الشعري. فالخطاب الشعرى عند الشاعر العراقى كان كالمرآة لمسرح دامٍ تجرى عليه أفظع أنواع الممارسات اللاأخلاقية من سلب وقتل واقتلاع من جراء ما قام به الغزو الأمريكى للعراق عام 2003م حتى خروجه منها عام 2011م.
■  كيف تصفين إبداع المرأة العربية فى ظل الضغوط عليها من المجتمعات الشرقية؟
ــ المرأة مبدعة فى كل العصور حتى وإن كانت تقبع فى ظل مجتمع ذكورى وثقافة ذكورية سائدة فنجد الآن المرأة ليست شاعرة أو كاتبة تقليدية مهتمة بقضايا عامة أو رومانسية مشغولة بمحور ذاتها فقط، ولا واقعية تكرس كتاباتها نموذجا نقديا لسلبيات مجتمعها، إنها شاعرة وكاتبة حداثية تجاوزت هذه المراحل، وعايشت مرحلة الاغتراب المعاصرة، ومعاينة الأسئلة والهواجس الكبرى التى تؤرقها وتشعرها بالاغتراب عن الذات، والآخر، والاغتراب عن المكان، فنجد لها القدرة على التعبير عن خصوصية هذه التجارب الإبداعية وعلاقتها الواعية بالوطن.والمنتج النسوى من الشعر والسرد لهن يكشف عن ذلك.
■  تصدر يوميا عشرات الكتب الأدبية فما رأيك فى تلك الإصدارات الأدبية الشبابية؟
ـــ لا أخفيك القول نعانى من ضعف القراءة وخاصة فى جيل ما قبل العشرين فتجدى أغلب ما يقرأون كتبا ليست ذا قيمة وأغلبها سطحى يستسهلون قراءتها وليس أكثر،ولكن هناك بعض الكتابات الجادة وخاصة فى بعض المدونات الشبابية التى يتابعها القراء على شبكات التواصل الاجتماعى ثم تنشر كتابا.
■  ترأست مؤخرا البيت الثقافى العربى بالهند فماذا عن البيوت الثقافية بشكل عام، وماذا تنوين أن تقدمى به من خلال منصبك؟
ـــ شرفت بعملى أمينة السر بالبيت الثقافى العربى فى الهند ممثلة عن مصر.ونائب رئيس هيئة التحرير، ورئيس اللجنة العلمية بصحيفة الحرف الأدبية الصادرة عن البيت الثقافى العربى فى الهند.
والبيت الثقافى العربى الذى مقره فى الهند برعاية بعثة الجامعة العربية هناك، وله فروع فى أغلب دول العالم، ومنها مصر يشرف عليها أساتذة جامعات متخصصون، وأدباء بارزون، وله موقع إلكتروني، ويصدر صحيفة الحرف الأدبية، وصحيفة الحرف العلمية المحكَّمتين من أخصائيين، ونحن بصدد مسابقة أدبية عالمية قبل المهرجان الثقافى العالمى فى دولة الهند؛ حيث كُلِّفتُ بعضوية التحكيم فى المهرجان مع نخبة من الزميلات والزملاء الأكاديميين والأدباء، ترعاه ممثليه الجامعة العربية هناك وبعض السفارات العربية، ويساهم فيه أدباء عرب من شتى أنحاء العالم. شعارنا أن الإنسان هو أثمن رأسمال فى الكون، وهو الغاية وهو الوسيلة، وعليه فإن تحريره من قيود الجهل والتخلف والتبعية هى الخطوة الأولى، كما نسعى لحماية اللغة العربية من تأثيرات الإسفاف والركاكة؛ بعيدا عن التحزبات السياسية والدينية والطائفية والقطرية. وهنا لابد من أن يصطف المثقفون، وهذا الاصطفاف هو الذى يحدد هويتنا العربية، ومكانتنا بين الأمم ،ونجهز لمهرجان ثقافى كبير سيعقد فى الهند أواخر يناير المقبل 2016م وسأكون عضوا للجنة التحكيم لعدد من المشاركات الشعرية والقصصية التى حُكمت من قِبل لجنة المهرجان، وسيُعلن الفائزون فيها.وسيحضره كافة سفراء الدول العربية وأيضًا بعض المهتمين بالشأن الثقافى العربى.
■ إلى من تدينين بالفضل فيما وصلت اليه ومن أى ينبوع أدبى قد نهلت فى مقتبل حياتك الدراسية والنقدية؟
ــ أسدى الفضل إلى كل من علمنى حرفا يبدأ من بيتى فوالدتى اعتنت بتربيتى وتثقيفى فقد توفى والدى وأنا بسن تسع سنوات ثم تحملت أمى كل أعباء التربية لى ولإخوتى فقد أرسلتنى إلى الكُتاب لأحفظ القرآن الكريم وأنا بسن صغيرة وأقول لكِ إن القرآن الكريم يحتوى على خمسين ألف كلمة تظهر فى الحصيلة اللغوية الكبيرة التى يملكها حفظة القرآن الكريم ،فكان ينبوعى الذى لا ينفد وهذا أضاف لى كثيرا عندما تخصصت فى اللغة العربية التى أحبها كثيرا وهى الينبوع الثانى ثم قراءاتى المتعددة فى المصادر الأدبية كل ذلك شكّل وعيا لى وأصقل موهبتى الإبداعية.
وكلمة أخيرة أتمنى على المستوى العام وطن عربى أكثر ثقافة وأكثر حرصا على العلم وأكثر تحديا لقهر أى صعاب لأجل مستقبل مشرق لكل بلداننا العربية.. وعلى المستوى الخاص أتمنى روح العمل الجماعى تسود أكثر بيننا لأننا فى مركب واحدة، أتمنى العمل مع كوكبة من العلماء لخدمة التراث العربى والثقافة العربية.