الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد إبراهيم طه: الحركة النقدية فى مصر بحاجة إلى التصحيح ونحن بحق فى زمن الرواية

محمد إبراهيم طه: الحركة النقدية فى مصر بحاجة إلى التصحيح ونحن بحق فى زمن الرواية
محمد إبراهيم طه: الحركة النقدية فى مصر بحاجة إلى التصحيح ونحن بحق فى زمن الرواية




حوار - خالد بيومى

محمد إبراهيم طه روائى يلامس حقيقة الرؤى الأحادية أو جوهر البنية الذهنية الأحادية المغلقة التى لا تستطيع الفكاك من قيودها الأيديولوجية، طالما هى أسيرة التلقى الأبكم، وطالما هى متنعمة بكسلها الذهنى، وبعيدة كل البعد عن منطق التفكير أو المساءلة العقلية لكل ما تتلقاه فتتحجر القلوب وتصبح كارهة. وهو ينتمى إلى جيل التسعينيات والريف والطب رافدان أساسيان فى تجربته الإبداعية.
من أعماله: سقوط النوار، امرأة أسفل الشرفة، العابرون، دموع الإبل، طيور ليست للزينة، عن رؤيته وأفكاره كان حوارنا معه.
■ البداية مع الكتابة.. اختيار أم غواية؟
- غواية بالطبع فى البداية، ولا أستطيع تحديد متى بدأت على وجه الدقة، لكنها أتت هكذا خجولة، فأوسعت لها الطريق، فوجدتها تتدفق، ويمكن القول أنها الآن فى مرحلة الاختيار، فبالرغم من كل مشاغلى وأعمالى تجد طريقها للخروج، كتابة ناضجة.
■ عناوين رواياتك مستقاة من الطبيعة.. ما علاقتك بها؟
- هى علاقتى بالمكان، النشأة  والتكوين البصرى لعالم يخلو من كل ما هو صناعى، فلا سيارات، ولا مكعبات أسمنتية، ولا ماكينات ولا مصانع ولا ورش، كل ما تلتقيه وثيق الصلة بالطبيعة، ترع ومساقى وأفنية ومساحات مفتوحة وحقول وزروع وأشجار وحيوانات وطيور، وأمهات وجدات وأتراب وأقارب، وعلاقات متشابكة، عالم ريفى مفتوح هكذا وبسيط، كان لابد أن يترك بصماته على العالم القصصى والروائى ليس فقط فى الموضوع ولا فى الشكل فحسب، لكن فى العناوين أيضا، وأؤكد على أن ذلك يحدث بشكل غير مقصود، «توتة مائلة على نهر»، «سقوط النوار»، «الركض فى مساحة خضراء»، «دموع الإبل»، «امرأة أسفل الشرفة» و «طيور ليست للزينة».
■ ما هى روافد الكتابة فى تجربتك الإبداعية؟
- الريف والطب رافدان أساسيان فى تجربتى الإبداعية، فالكاتب يكتب عما يعرفه، وهما عالمان بالغا الخصوصية والثراء بالنسبة لى، الريف كمكان بشوارعه الضيقة ومدقاته وترعه وساحات أوليائه، الريف كبشر وموروثات شعبية وثقافية ودينية، والطب دراسة وممارسة يمثل مادة خام أنهل منها، فالقرية تتصدر المشهد القصصى والروائى فى توتة مائلة على نهر وسقوط النوار، وتتراجع إلى خلفية المشهد فى «الركض فى مساحة خضراء» لصالح الفكرة التى تتصدر المشهد، بينما تتلاشى ملامح القرية تقريبا فى رواية «العابرون»، الرافدان الأول والثانى استنفدا إمكانياتهما وحل محلهما الرافد الثالث هو خبرات الكاتب الإنسانية فى الحياة، وثقافته ومعرفته التى تمثل فى المرحلة الحالية أحد أهم الروافد الأدبية لتجربتى الإبداعية.
■ الفضاء الروائى عندك يدور فى الريف أو على تخوم المدن، كيف والرواية ابنة المدينة؟
 - فى الغرب، الرواية ابنة المدينة، وعصر  النهضة والتصنيع هو ما شهد نشأة الرواية، حيث تتضارب فى مجتمعات المدن المصالح والطموحات وينمو الشعور بالذات وتتصارع الإرادات، فتخلق غليانا اجتماعيا غير منظور يعتبر المادة الخام لفن الرواية،  أما فى مصر، فقد نشأت الرواية ابنة شرعية للقرية، بدءا من رواية زينب لمحمد حسين هيكل والأيام لطه حسين مرورا بيوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى ومحمد عبد الحليم عبد الله وأمين يوسف غراب ويوسف القعيد وعبد الحكيم قاسم ويوسف أبو رية  وصولا إلى أحدث جيل يكتب عن الريف.
■ حتى بعد أن ردمت الهوة بين القرية والمدينة هل ما زال هناك رواية القرية؟
- انحسرت الرواية الريفية الخالصة، زينب، والأرض، والحرام، ولم يعد هناك الكاتب المتخصص فى الكتابة عن القرية فى مقابل من يكتب عن المدينة مثلما كان يحدث فى الماضي، كما كان يكتب نجيب محفوظ عن المدينة، ويوسف إدريس عن القرية، تحورت الكتابة عن القرية وصارت أكثر تعقيدا منذ أزيلت الحواجز بين القرية والمدينة سواء بالهجرة أو ثورة الاتصالات، وأصبح على الروائى الذى يكتب فى هذه المنطقة أن يغوص أكثر فى شخوص لم تعد تعمل بالزراعة، شخوص تخلصت من الزى الريفى التقليدى ويعيشون فى المدن بشكل مؤقت أو دائم، موظفون، وعمال، وفنيون، لكنهم فلاحون، ويختلطون من حيث المظهر ربما مع أبناء المدينة الخالصين، وبات على الروائى أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء لا من خلال الشكل، إنما من خلال الجوهر، الطباع والمعتقدات والقيم والعادات إلخ.
■ عمل تكتبه الآن، كيف تقدمه لقراء روزاليوسف وما هى أجواء كتابته؟
- هو عمل روائى بعنوان «ظل البونسيانا» أوشكت على الانتهاء منه، رواية إنسانية تتناول قدرة الإنسان على النهوض من كبواته، وقدرته على تعديل مساراته واختياراته، والتغلب على ما يواجهه من عقبات بما يملكه من  طاقات هائلة داخل النفس البشرية، تدور أحداثها فى أجواء واقعية لكنها حافلة أيضا بالميتافيزيقا التى لا تفسرها القوانين المادية ولا قوانين الصدفة ولا قانون الاحتمالات، والأحداث تدور بين القرية وإحدى المدن العمرانية الجديدة.
■ الملاحظ أن المرأة أكثر حضوراً فى أعمالك مقارنة بالرجل .. لماذا؟
- لأن القرية مجتمع أمومى بالأساس، المرأة فيه أكثر تأثيرا فى تشكيل وعى الأطفال من دور الرجل، الجدة والخالة والعمة والأم، وهؤلاء حكاءات بالضرورة، وحضورهن فى مرحلة التكوين أكثر من الرجال الذين يغيبهم العمل والسفر والموت، أما استمرار الظاهرة بعد ذلك فيرجع إلى عملى كطبيب ولادة، حيث يتحتم عليّ التعامل مع المرأة فى جميع مراحل حياتها، وهو ما يجعل بالضرورة حضورها طاغيا فى أعمالى القصصية والروائية.
■ هل استطعت التعبير عما تشعر به دون الاكتراث لرأى الرقيب؟
- أظن أن الكاتب لديه القدرة على التعبير بلا محاذير دينية أو سياسية أو جنسية إذا ما أراد ذلك، وبلا إسفاف فى الألفاظ أو كلام مكشوف، فالأصل فى الإبداع هو التعبير غير المباشر.
■ كروائى.. هل ترى الرواية المصرية بخير؟
- بخير، ونحن فى زمن الرواية بحق، منذ حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل سنة 88، ساهم فى هذا الرواج الروائى عدد الجوائز الحكومية والأدبية الخاص بالرواية محليا وعربيا، كما أن الناشرين يفضلون الروايات على المجموعات القصصية والشعرية الأمر الذى دفع الكثير من  الشعراء وكتاب القصة القصيرة والنقاد إلى محاولة كتابة الرواية.
■ ما انعكاس الحالة السياسية على كتاباتك ؟
- فى ظنى أن الأيديولوجيا تفسد الأدب، ولذلك حرصت على أن أحتفظ بمسافة بين الفن والأدب من جهة والأيديولوجيا من جهة أخرى، ولن تجد عندى عملا  روائيا أو قصصيا السياسة موضوعه الرئيسى، لكن ظلالا بعيدة لهذا العالم قد تتسرب إلى الأحداث لضرورة فنية، لا بهدف أن تكون الرواية وثيقة سياسية واجتماعية للمرحلة.
■ ألا  ترى أن الأدب شهادة حية على اللحظة التاريخية؟
- الأدب أوسع وأكبر من أن يكون مجرد شهادة أو وثيقة على لحظة تاريخية  أو مرحلة بعينها، والتاريخ مصدره كتب التاريخ، والرواية على وجه الخصوص فى أحد جوانبها تصوير وتوثيق التاريخ كجزء من جملة اهتماماتها، وحتى هذه بدأت فى التراجع مع الوسائط الجديدة، والتسجيلات الصوتية والمرئية، والقنوات الإخبارية، والوثائقية، والإنترنت، ولم يعد دور الرواية هو الشهادة المباشرة على اللحظة أو المرحلة التاريخية، ربما كان ذلك مطلوبا فى النصف الأول من القرن الماضى.. والأصح  فى رأيى أن الرواية فن هدفه الإنسان اجتماعيا وإنسانيا ونفسيا وروحيا واقتصاديا وسياسيا، وحصرها فى أن تكون شاهدا على العصر خطأ جسيم.
■ هل نالت تجربتك فى الكتابة حظها من المتابعة النقدية؟
- مع ما يعانيه النقد الأدبى الآن، يمكن القول أن التجربة الإبداعية عندى تم متابعتها بشكل معقول، مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليس من الضرورى أن يأخذ العمل الأدبى صك البراءة من الناقد، فغالبا ما يشق المبدع طريقه وحده، ولم يحدث أن وازى النقد الإبداع فى أى فترة سابقة، والنقد الحقيقى يتأخر عن الإبداع الحقيقى خطوات، لكن تجربتى الإبداعية أخذت نصيبها الحقيقى من التقييم من الجوائز التى حصلت عليها وهذا تقييم نقدى آخر ومتابعة نقدية موازية تعالج الخلل الواضح فى عدم الإحاطة الكاملة للنقد الأدبى بالمشهد الروائى المتفجر بالإبداع، والحركة النقدية بوجه عام فى مصر فى حاجة إلى تصحيح.