الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«النوروز» بين بشائر الخير ووحدة الشعوب

«النوروز» بين بشائر الخير ووحدة الشعوب
«النوروز» بين بشائر الخير ووحدة الشعوب




أحمد عبده طرابيك يكتب:

تحتفل العديد من الدول والشعوب الشرقية بعيد النوروز، وخاصة فى المنطقة التى تشمل كلاً من إيران، تركيا، أفغانستان، دول آسيا الوسطى «طاجيكستان، كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان»، أذربيجان، والشعوب الكردية، حيث تتشابه إلى حد كبير تقاليد وطقوس الاحتفال بهذا العيد الذى يعد فى البعض منها أهم الأعياد بها، وخاصة إيران الذى يتوافق الاحتفال بعيد النوروز فيها مع حلول السنة الفارسية الجديدة التى تبدأ يوم 21 مارس حسب التقويم الهجرى الشمسى. ولذلك فإن أصل كلمة نوروز مشتقة من اللغة الفارسية، والتى تتكون من مقطعين «نو» أى «جديد»، «روز» أى «يوم»، ومن ثم يكون معنى «نوروز» هو «اليوم الجديد»، وقد وردت فى بعض المعاجم العربية بلفظ «نيروز»، والذى يأتى مع حلول فصل الربيع.
 يرجع أصل الاحتفال بالنوروز إلى الرواية التى تقول إن الملك الفارسى جمشيد، والذى كان يسمى «جم»، كان يسير فى العالم، حتى وصل إلى أذربيجان، فأمر بإقامة عرش له فيها، وعندما جلس على ذلك العرش أشرقت الشمس وسطع نورها على تاج وعرش الملك فابتهج الناس، وقالوا: هذا يوم جديد. ولأنّ الشعاع يقال له «شيد»، والتى أضيفت إلى اسم الملك فأصبح «جمشيد»، واتخذ ذلك اليوم احتفالاً بالنوروز، وتشير الحفريات التاريخية إلى أن الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس قبل الإسلام قد احتفلوا بذلك اليوم واتخذوه بداية للسنة الفارسية، حيث تم وضع العام الفارسى على أساس الحسابات التى أجراها الكهنة البابليّون والفرس فى بابل عن طريق رصد النجوم.
 يرمز النوروز إلى الصراع بين قوى الظلام والنور، أو الفضيلة والرذيلة، أو بمفهوم أوسع يرمز للصراع بين الخير والشر، فالنوروز الذى يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ، وتحديداً إلى فترة حكم الملك الفارسى جمشيد بن طهمورث فى عصر الدولة الأخمينيسية، هو بداية لفصل الربيع الذى تكتسى فيه الأشجار بالأوراق الخضراء بعد أن تكون قد تخلصت من أوراقها الجافة خلال فصلى الخريف والشتاء، ثم تتزين هذه الأشجار بالأزهار التى تعطر الأجواء بأريجها وشذراتها العطرة، وبعد ذلك تأتى بالثمار التى تهب الرخاء والازدهار، ولذلك فإن من أهم مراسم النوروز، مائدة السينات السبع «سفره ى هفت سين»، والتى تحتوى على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين باللغة الفارسية وهى «سركه، (الخل)، سيب (التفاح)، سكه (عملة معدنية)، سير (الثوم)، سبزه (العشب أو الخضرة)، سماق (السماق)، سمنو (نوع من الحلوى)».
 وقد وصف البحترى النوروز قائلاً:
 أتاك الربيــع الطلــق يختال ضاحكا من الحُسن حتى كاد أن يتكلما
 وقد نبَـه النوروز فى غلس الدُجى أوائــل ورد كـُـن بالأمس نوَما
 يفتقها بــــــرد النــــــــــدى فكأنــه يبث حديثا كـــان قبــــل مكتما
 فمــن شجــــر رد الربيــــــع لباس عليــه كما نشـرت وشيا منمما
 أحــل فأبــــدى للعيــــــــون بشاشة وكان قذى للعين إذ كان محرما
 ورق نسيــــم الريــــح حتى حسبته يجىء بأنفــاس الأحبــــة نعما
 يتشابه الاحتفال بالنوروز مع الاحتفالات بشم النسيم، الذى ترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، فى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، حيث ترجع تسمية «شم النسيم» إلى الكلمة الفرعونية «شمو» التى تشير إلى بعث الحياة، حيث كان الاعتقاد بأن أول الزمان وبداية الخلق كانت فى مثل هذا اليوم، وأضيفت كلمة «النسيم» لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وتفتح الأزهار التى تملأ الدنيا بهجة بأنوارها وشذرات طيبها العطر، وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم فى احتفال رسمى كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعى، وهو اليوم الذى يتساوى فيه طول الليل والنهار زمنياً، فقد كانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب؛ ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم، واليوم صار شم النسيم يجمع الأمة - المسلم والمسيحى - على البهجة والسرور.
 أصدرت اليونسكو فى فبراير 2010، قراراً بإدراج عيد النوروز فى القائمة النموذجية للتراث غير المادى للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 مارس من كل عام باعتباره «يوم النوروز العالمى»، حيث يحتفل به ما يزيد على 300 مليون نسمة فى جميع أنحاء العالم، ورغم اختلاف الشعوب التى تحتفل بالنوروز فى اللغة والقومية والدين والثقافة، إلا أن فلسلفة النوروز تكمن فى أن هذه الشعوب تلتقى وتتوحد فى الاحتفال بذلك اليوم، باعتباره يوم بهجة لا ينتمى لدين أو قومية أو لغة، فهو عيد للطبيعة التى تكتسى بالخضرة بعد أن تساقطت أوراق أشجارها فى الخريف والشتاء، فعادت إليها الحياة مرة أخرى مزدهرة، مزهرة تبشر بثمارها الطيبة التى يأكل منها الجميع دون استثناء، فالله تعالى يمنح الخير لجميع عباده على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، ولذلك ليس بالشىء الغريب أن نجد فى الدول التى تحتفل بالنوروز فيسفساء من البشر، يصل عددهما فى بعض الدول إلى أكثر من 130 قومية دينية ولغوية وعرقية، لكنهم يتعايشون فيما بينهم بمودة وسلام ومحبة وتعاون، فالوطن الذى يجمعهم هو ملك للجميع.
 إنها الطبيعة الخلابة التى وهبها الله تعالى لبنى البشر، ينهلون من خيرها، فلم يحرم أحداً أبداً من ذلك الخير، فالجميع هم خلق الله، الذى أخذ على نفسه سبحانه وتعالى العهد بالرزق للجميع دون تفرقة، لا فرق بينهم. فالنورز، وشم النسيم، هى أيام بهجة، ترمز لبدء حياة جديدة توحد الشعوب التى عانت ويلات التفرقة والاقتتال، فيأتى الاحتفال بذلك اليوم، آملين أن يكون يومًا جديدًا لعهد جديد تسوده المحبة والسلام والاستقرار والازدهار للجميع.