الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ورقة كوتشينة

ورقة كوتشينة
ورقة كوتشينة




أحمد عبدالعليم يكتب:

تحوى ألعاب الورق، وتحديداً الكوتشينة، على العديد من الخدع الذهنية وحركات تعتمد على مبدأ «اليد أسرع من العين» أو «خفة اليد»، وهذا ما نجده فى «الثلاث ورقات» التى يبدلها صاحب اللعبة بسرعة لتخسر نقودك مع كل خيار خاطئ.
هناك ألعاب تعتمد على الحسابات المعقدة كالأستميشن، أو على قوة شخصيتك وإخافة خصمك بزيادة الرهان رغم أنك لا تمتلك الأوراق الصحيحة «البوكر»، أو القدرة على تحمل الملل «البصرة»، وأخرى تستخدم فيها عضلات وجهك، تعبيراتك، نظرات عينيك، رعشة يديك ورائحة عرقك إذا استطعت أيضاً «الشايب».
فى «الشايب» عليك خداع منافسك بثباتك الانفعالى عندما يسحب ورقة مختلفة عن التى تريد التخلص منها، لكن بصورة الملك صاحب القلب الأحمر، لو دققت قليلاً، ستجد الطعنة من الخلف فيداه على معطفه، لكننا لن نستطيع فتح التحقيق فى جريمة حدثت على أوراق الكوتشينة وصنفت كـ«انتحار» لأزمنة عدة.
مجرد النظر فى تلك الورقة يدفعك للتفكير «هل طلب الملك من خادمه أن يقتله مثلما فعل ماركوس أنطونيوس؟» لكن حتى خادم أنطونى لم يقوم على فعلها وقتل نفسه عوضاً عنه، أو هكذا تقول روايات المسارح، ولا أظن أن هذا العجوز المصاب بالسمنة المفرطة من النوع الذى ينتحر لفراق حبيبته أو لخسارة معركة، فيبدو جلياً أنه كان مشغولا مؤخراً فى حرب طويلة على صحون المطبخ.
«الخيانة لماذا؟»، هذا هو السؤال الصحيح، لكنه سيعيدنا إلى المعادلة القديمة، لم قتل ابن آدم أخاه؟، ربما الانجاز الذى حققه هابيل فى الإيمان والطاعة صنع من قابيل عدوا له، ربما حب النبى يعقوب غير المشروط لابنه يوسف، رغم محاولات إخفائه، كان سبباً فى إلقائه فى البئر، ربما نجاح دعوة السيد المسيح دفعت التلميذ سمعان الإسخريوطى للوشاية به لدى الحاكم بيلاطس البنطى.
لكن كل هذا ليس صحيحا، فكيف تولد الخيانة فى صدور من اختلط بـ«المنجز» و«المحب» و«الناجح»، وكيف يُصنع الحقد؟ هناك سؤال خطير أيضاً، أليست الايجابية عدوى هى الأخرى؟ قد تكون الإجابة هى الخوف من الفشل أو الرغبة فى تكرار نفس الانجاز، فى الحصول على نفس الحب، فى الوصول إلى نفس النجاح، ربما شىء آخر لا نفهمه، ربما النفس البشرية معقدة لدرجة تجعل أفعالها وتصرفاتها يستحيل فهمها دون سماع تفسيرها من مرتكبيها، ربما علينا تقبل الأشياء بصورتها المجردة والتوقف عن البحث فى أسبابها، ربما ورقة كوتشينة واحدة ستجعلك تفكر «هل ستأتى طعنتى المفاجئ من صديق مقرب كجونيوس بروتس أم عدو كفيروز النهاوندى؟».
الحتة بشلن:
«قاتل ملكه» له نماذج متشابهة على مر الزمان، قد يبرر لها البعض الآخر فعلتها بقصص مفبركة لتبدو ضمن مجمل السلوك الطبيعى وهو الشىء الذى يدفعنا للتوقف عن القلق من المستقبل والبدء فى الخوف من الحاضر.
على كل حال لسنا عرائس مربوطة بحبال أو عقارب ساعة محبوسة فى الزنبرك، نحن بشر نحتوى على عناصر للنجاح ومقومات للفشل، ربما علينا البدء فى البحث عما يميزنا عن غيرنا ويحفزنا للمضى فى طريق قد يقابلنا فيه من نثق به بطعنات عدة.
يقولون إن الضربة التى لا تقتلك تقويك، وفى الحقيقة أنها ستوجعك على كل حال، لكن الأكيد أنه علينا التوقف عن النظر إلى أوراق الكوتشينة لكى نستطيع رؤية من يصارع لرؤيتنا نتألم.

FB.com\Limo20New