الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مسرح بإيقاع السينما فى «حذاء مثقوب» و«الملحمة» يخرج عن المألوف!

مسرح بإيقاع السينما فى «حذاء مثقوب» و«الملحمة» يخرج عن المألوف!
مسرح بإيقاع السينما فى «حذاء مثقوب» و«الملحمة» يخرج عن المألوف!




مشاعر مختلطة بين الفرحة والألم؛ الفرحة بالتواجد فى هذا العرس الفنى الكبير ودموع الحزن على من رحلوا عن عالمنا يوم نيل التشريف والتكريم ثم بهجة ممزوجة بالحنين بعودة الغائب توفيق عبدالحميد كل هذه المشاعر سيطرت على حاضرى حفل افتتاح الدورة الثانية عشرة للمهرجان القومى للمسرح برئاسة الفنان أحمد عبدالعزيز، وهو نفس اليوم الذى علم فيه الفنان الكبير توفيق عبد الحميد مدى حب وعشق الجمهور له الذى هتف باسمه راجيًا عودته للساحة الفنية من جديد، تأثر عبد الحميد بشدة فى لحظة تكريمه باكيًا من كل هذا الحب.

فعاليات المهرجان
انطلقت فعاليات المهرجان فى اليوم التالى لحفل الافتتاح مباشرة وانشغلت مسارح الدولة باستقبال العروض المتنافسة على جوائز المسابقة الرسمية التى انقسمت إلى ثلاث مسابقات عروض المحترفين، الشباب المستقلين، ومسرح الطفل؛ بدت عروض الشباب والأطفال مبشرة من الأيام الأولى، كان أولها عرض «الملحمة» ثم «حذاء مثقوب تحت المطر».
«الملحمة»
خرج «الملحمة» عن  الشكل المعتاد والمضمون فى تناول النصوص المسرحية المكررة خاصة فى حقل الجامعة فعادة ما يتم تداول وتكرار نصوص بعينها للمشاركة ضمن فعاليات المهرجانات لكن هذه المرة قرر الشباب التحدى والتفكير فى تقديم أشكال أخرى من الصراع الإنساني، تناول العرض قصة قبائل «الفايكينج» التى تعد من أبشع القبائل التى عرفتها البشرية فى التاريخ كانت لهم عادات وطقوس محددة فى الأكل والزواج وخوض المعارك فهم مؤمنون أن الحرب هى الوسيلة الوحيدة لدخول الجنة يقاتلون إرضاء للآلهة فالعراف دائمًا ما يعدهم برضا الآلهة عنهم إن هم أسرفوا فى قتل الأعداء.
رحلة إيمانية
رحلة إيمانية من الشك إلى اليقين لهؤلاء المحاربون المتوحشون يذهبون إلى فرنسا فيتعرضون إلى طقوس الديانة المسيحية ثم إلى الأندلس ويتعرضون إلى طقوس الديانة الإسلامية حتى يؤمن أحدهم بالإله الواحد ويموت على قناعة بدين جديد؛ كتابة جديدة ذهبت إلى تناول حكاية مختلفة كما ذكرنا من قبل فى محيط الجامعة، وفق الشباب فى كتابة نص مسرحى عن هذه القبائل التى لم يتحدث عنها التاريخ كثيرا ربما لندرة المراجع التى ذكرت تفاصيل حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وحدتهم فى الحرب ورغبتهم فى القتال من وازع إيمانى طاعة للألهة؛ قدم أبطال العمل عرضًا مسرحيًا منضبطًا على مستوى التمثيل والأداء الحركى وربما كان للأداء الحركى وتصميم المعارك النصيب الأكبر فى إنجاح العمل بخروجه بهذه الصورة الجيدة حيث نجح مصمم المعارك التى احتلت الجانب الأكبر من مشاهد العرض فى تقديم تعبير حركى متميز ومختلف وكأنه يصمم معارك فى استوديوهات تصوير سينمائى وليس لعمل مسرحى بجانب أداء الممثلين الجيد فى سرعة الحركة ومرونة الدخول والخروج من المعركة، العرض تأليف عبد الرحمن عربي، إخراج مهند محمود المليجي، وتصميم حركى لهانى فاروق، أزياء أميرة صابر.
«حذاء مثقوب تحت المطر»
«حذاء مثقوب تحت المطر» عن رواية «المسخ» لكافكا وثلاثية «أن تكون إنسانًا» للمخرج السينمائى السويدى روى أندرسون؛ قدم العرض فريق كلية هندسة جامعة عين شمس  يعتبر هذا العمل من أكثر عروض المهرجان إبهارًا وتميزًا سواء على المستوى البصرى أو على مستوى عمق التناول المسرحى ومزج فلسفة روى أندرسون فى ثلاثيته السينمائية بفلسفة كافكا فى رؤيته للعالم؛ تأثر الشباب بشكل واضح بالإيقاع السينمائى فى تقديم هذه التوليفة المسرحية الاستثنائية فبرغم استحواذ رواية «كافكا» المسخ على أجواء العمل إلا أن صورة السينما وإيقاعها الشاعرى خاصة مع استغلال الشكل الظاهرى لأبطال فيلم»A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence»، حيث خرج أبطال العرض منذ اللحظة الأولى فى حالة شحوب تام بعد طلاء وجوههم بمادة بيضاء كرمز لتجردهم من أشكال الحياة وتحولهم إلى مجرد أموات فى ثوب أحياء أضفت حالة الشحوب مزيدًا من الكآبة على العرض الذى بدأ بتجول بائع متجول بين الجمهور يعرض عليهم بضاعته التى يسير بها ويطلب منهم إرشاده عن طريقة للخروج من هذا المكان الذى لا يعلم له مخرجًا؛ ثم بالتدريج يبدأ العمل فى استعراض رواية «كافكا» المسخ، والتى تروى قصة شاب بائع متجول من أسرة متوسطة يستطيع مساعدة أهله ماديًا حتى أنه يحقق لأخته حلمها بشراء آلة الكمان المحببة إلى قلبها وبسبب هواجسه الطويلة وانعزاله الدائم على نفسه وكراهية اندماجه مع العالم الخارجى يستيقظ يومًا ما ليجد نفسه تحول إلى حشرة يزداد حجمها وتتشوه ملامحه بالتدريج حتى يصبح شكله لا يطاق؛ يفاجئ أهله بهذا التحول ويخشون الاقتراب منه ويصل الأمر إلى حد كراهيتهم له خاصة والده الذى يحاول قتله للتخلص منه ومن العار الذى أصبح يتسبب فيه لهذه العائلة؛ كتب كافكا هذه الرواية متأثرًا بكراهية والده له وحزنه على انعدام التواصل بينهما فبقدر ما تحمل هذه الرواية من نقد لاذع ورؤية قاتمة للعالم المعاصر وخاصة الطبقة المتوسطة التى بدأت فى الإنحسار إلا أنه ايضا كانت له دوافع عائلية تجاه كتابة هذه الرواية بسبب ما كان يعانيه من أزمة كبيرة فى علاقته بأبيه، وبالتالى انعكست مشاعره السلبية تجاه والده على أغلب أعماله وفى المسخ مزيج بين رؤية كافكا لانسحاق الإنسان فى عصر تكالبت فيه المادة على المشاعر الإنسانية وبين تفتت وتمزق العلاقات العائلية وانهيارها فبعد موته يستكملون حياتهم بشكل طبيعى وكأن شيء لم يكن، خرج كافكا بتصوره لتحول البشر إلى شكل مناف للمنطق لما يعيشه الإنسان المعاصر من ظروف وعلاقات تجاوزت حدود كل منطق.
كما ذكرنا تأثر المخرج عمرو عفيفى بإيقاع السينما فى تقديم عرضه المسرحى من بداية العمل وحتى نهايته فالممثلون المتحولون إلى كائنات ثلجية شاحبة ثم البطل الذى يتحول إلى كائن خرافى انسجموا معًا فى تشكيل مسرحى بديع أتقن المخرج ومصمم الإضاءة والديكور صنعه بحرفة فنية عالية أضفت أجواء الديكور والإضاءة المزيد من الكآبة والقتامة على العمل، بجانب العزف الموسيقى الحى والأداء الأوبرالى لمطربة العرض كل هذه العوامل انسجمت معا لتعبر وتتناول بدقة وعمق ووعى شديد فلسفة كافكا فى نظرته للعالم والعلاقات العائلية المشوهة.
تمتع صناع هذا العمل بموهبة كبيرة فى مزج الثلاثية السينمائية بالرواية واستطاعوا تقديم عمل مؤلم قاس فى عذوبة فنية شديدة وكأنهم يرسمون لوحة فن تشكيلى لأحد الفنانين الكبار وبجانب تميزهم جميعًا بأدائهم خاصة البائع المتجول التائه بين الجمهور طوال أحداث العرض، والبطل مصطفى خطاب الذى يستحق الإشادة والتوقف عنده كثيرًا، ففى هذا العرض التزم خطاب بحركة تعبيرية معقدة للغاية بعد تقمصه لدور الحشرة كان مطالبًا بأن يرينا كيف تكر وتفر هذه الحشرة وكيف تنزوى على نفسها خوفا أن يلحظها أحد وكيف يطير من مكان لأخر كى يختبئ تحت المنضدة من أعين المراقبين له؛ مجهود جسدى وذهنى وانفعالى كبير قدمه مصطفى باحتراف ومهارة واقتدار بدءًا من خفة ومرونة حركته ونهاية بتبدل نبرات صوته مع تدرج تحوله إلى هذا الكائن الغريب؛ قدم درسًا فى التمثيل والأداء الحركى مع فريق العمل الذى تميز بالالتزام بأداء حالة اليأس والبرودة واللامبالاة منذ البداية وحتى النهاية.