الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ميسرة صلاح الدين: الثورة تعتمد على نجاحنا فى معركة «الوعى» رغم أنها ضلت الطريق مؤقتا




حررت الثورة العديد من الطاقات الإبداعية الكامنة داخل الشباب، فأخرجت لنا أعمالاً إبداعية ذات حس ثورى راق يؤرخ أدبيا لثورة مصرية خالصة، ومن هؤلاء المبدعين شاعر العامية والمسرحى ميسرة صلاح الدين، الذى يحدثنا فى هذا الحوار عن مسرحيته الشعرية "الورد البلدى"، التى تناول فيها أحداث الثورة وصراعاتها بين مؤيد ومعارض ووطنى ومتآمر ومشارك وراكب، فى شكل أقرب إلى التوثيق للأحداث... تنوعت لغته بين العامية والفصحى تبعا لشخصيات الحوار التى تنوعت بدورها بين مختلف طبقات المجتمع فإلى نص الحوار:
 
■ "الورد البلدى" لوحات شعرية.. فلماذا اخترت هذا الشكل الشعرى؟
 
- "الورد البلدى" مسرحية شعرية أحداثها نابعة من ثورة 25 يناير المجيدة، وكانت الثورة الحافز الرئيسى لكتابتها، وقد اخترت شكل المسرح الشعرى بالرغم من كونه شكلاً نادرًا الاستخدام، خاصة بالعامية المصرية، حتى أحصل على مساحة كبيرة للتعبير عن كل الرؤى ووجهات النظر المختلفة التى شهدتها الثورة من مؤيد ومعارض ووطنى ومتآمر ومشارك وراكب للثورة وغيرهم... ويربط أحداث المسرحية خط درامى واحد، ولكن التقسيم كان الهدف منه القفز بالأحداث من مرحلة ما قبل الثورة لمرحلة بداية الثورة ثم تصاعدها وأخيرا المرحلة الانتقالية بكل ما لها وما عليها.
 
■ تضافرت المشهدية مع الصورة الدرامية بشكل كبير فهل ترى أنها عبرت عن المراد؟
 
- لا استطيع فى الحقيقة أن أجيب عن هذا السؤال، كل ما أستطيع قوله أننى بذلت قصارى جهدى فى إصابة الهدف الإبداعى من وراء كتابة المسرحية، وذلك جنبا إلى جنب مع الهدف التأريخى لأحداث الثورة، فقد حرصت على تأريخ الثورة كما رأيتها كشاعر ومبدع، خشية عليه من أن يزيفها أعداؤها إن تمكنوا منها.
 
■ جسد الصراع الصغير بين الشاب وأسرته وكذلك صراعه الداخلى حالة التشتت المجتمعى العميق فكيف رأيته؟
 
- مشكلة المجتمع المصرى قبل الثورة هى فى المقام الاول أزمة وعى لم يكن معظم الشعب حتى الذى انخرط فى الثورة لديه أيديولوجية حقيقية أو توجه سياسى ومجتمعى واضح ولكن اجتمع الجميع على حب مصر وعلى هدف اسقاط النظام، وما أن تحقق هذا الهدف حتى ظهر التشتت واختلال الرؤية الذى عصف كثير بالثورة، وقد آثرت أن أعبر عن هذا الصراع مبكرا قبل بداية أحداث الثورة كتمهيد منطقى للحدث الثورى العظيم.
 
■ كان عمر بطل المسرحية ثلاثين عاما نفس فترة القهر والاستبداد للنظام البائد فكيف وصفته إبداعيا؟
 
- فى الحقيقة قصدت أن يكون بطل المسرحية قد عاش أغلب حياته إن لم يكن كلها تحت الحكم العسكرى لمبارك ونظامه، وهذه هى الحالة الواقعية التى عاش عليها أغلب جيل الثورة وقد اخترت عند رسم الشخصية أن أركز على جانبين فقط من ملامح البناء الدرامى وهما الجانب النفسى والجانب الاجتماعى فهو شاب مثل أى من شباب مصر وشباب الثورة متوسط فى كل شيء يحمل إمكانيات وأحلام هائلة ولديه من العند والإصرار ما يؤهله لتحمل صدمات الواقع الواحدة تلو الأخرى، ولكنه أدرك أخيرا أنه لن يحقق أيا من أحلامه إلا بتحقيق حلم مصر فى الحرية والدولة المدنية المستنيرة القائمة على المساواة والعدل بينما أهملت عن عمد الجانب الجسمانى للشخصية فلا وصفت له اسما ولا ملامح ولا طولا ولا وزنا حتى يكمل القارئ تلك التفاصيل من نماذج شباب الثورة المحيطة به فتكون أكثر قربا منه وتلامسا مع عالمه.
 
■ قمت باختيار لغة لكل شخصية تناسب مستواها الفكرى وخلفيتها المجتمعية فهل شكل ذلك تحديا لك؟
 
- التحدى المستمر هو الإبداع ولا إبداع بغير تحد، ربما خدمتنى ظروف الثورة كثيرا ومعايشتى لها فى استلهام شخصيات المسرحية الذين رأيتهم وتعايشت معهم وتفاعلت مع نبضهم وأحلامهم ولم يكن على إلا أن أحاول أن أعبر عنهم إبداعيا وأتمنى أن أكون نجحت.
 
■ لماذ دمجت العامية بالفصحى ولم تعتد على واحدة فقط فى الحوار؟
 
- لقد كان للثورة فى بدايتها لغة خاصة، وهى تلك اللغة التى يطلق عليها "اللغة الثالثة" أو "عامية المثقفين"، وكان شباب الثورة هم تلك الطبقة المتوسطة المتعلمة المثقفة التى تملك بين يديها مفاتيح العلم والتكنولوجيا، فكيف كنت أستطيع أن أعبر عنهم بغير لغتهم.
 
■ تطرقت لقضايا مختلفة مثل "الخصخصة" و"الفتنة الطائفية" و"التعليم" و"الإعلام الفاسد" فهل احتملت الحالة الإبداعية تلك القضايا؟
 
- بالفعل تطرقت للكثير من القضايا، خاصة فى المشهد الأول الذى كان يعبر عن مصر قبل الثورة ولم أخش فى التطرق لتلك القضايا إلا من شبح الملل والإطالة، ولذلك أشرت لكل تلك الأمراض الاجتماعية والسياسية التى ضربت المجتمع فى شكل استعراض غنائى تفتتح عليه المسرحية، مما يتيح لى عرض وجهه اللنظر بشكل سريع ومكثف ولكنه فعال.
 
■ رسمت فكرة الاستسلام التى اعتدناها من غالبية أبناء الجيل السابق فى مقابل حالة الرفض والاعتراض من جيلنا .. ألم تواجه إنكارا من الجيل السابق لهذا الاتهام؟
 
- الإنكار لا يكون إلا بالفعل، والحقيقة أنه فى مرحلة معينة اشتركت كل الأجيال فى الثورة، وهذا كان من أهم أسباب نجاحها هذا الحشد الشعبى الكبير، لكن فى مرحلة أخرى كانت الأجيال الأكبر سببا فى إرباك الثورة وتعثر مسيرتها، فيما عرف بظاهرة المطالب والمظاهرات الفئوية، والحقيقة أننى لست حكما ولست مؤهلا للحكم على أى من الأجيال السابقة، إنما رصدت ما رأيت وعبرت عنه.
 
■ حملت المسرحية فكرة القومية العربية فهل ترى أنه الحل الأمثل لمشكلاتنا؟
 
- بل حملت فى نهاية المسرحية فكرة امتداد الربيع العربى من تونس مرورا لمصر فى لحظة فارقة ووصولا لباقى البلدان العربية ولكنى شخصيا عندى أمل فى اجتماع العرب فى كيان واحد فاعل حقيقى وقرار مشترك مع احتفاظ كل دولة بطبيعتها وسيادتها وخصائصها الاجتماعية وأيديولوجيتها.
 
■ هل يعبر الواقع الثقافى الحالى عن أحلامك وطموحاتك كمثقف ثورى؟
 
- الثقافة عمل جماعى والإبداع عمل فردى ونحن على مستوى الثقافة والعمل الثقافى نعانى من ازمات عدة من قبل الثورة وزادت عليها أزمات جديدة بعد الثورة وكان ذلك دائما إما لفساد المؤسسات الحكومية التى تدير الثقافة أو لسوء الإدارة المتعمد وإهدار الموارد بشكل لا يتيح للمبدعين الاستفادة منها، ولا أرى لذلك حل على المدى القريب إلا بما قام به الشباب من مبادرات ثقافية مستقلة كتكوين جماعات أدبية مستقلة والخروج للميادين فى فعاليات ثقافية وفنية إلى جانب نجاح وسائل الاتصال الحديثة خاصة الإنترنت فى كسر حالة الحصار والجمود التى فرضته كل وسائل الإعلام على المبدعين الشباب.
 
أما على مستوى الإبداع فإن معين مصر المبدع لا ينضب أبدا، ويجمل كل جيل مبدعيه المتفردين، ما عليهم إلا تصديق أحلامهم والإيمان بها والعمل على تنمية موهبتهم والغد لهم بالتأكيد.
 
■ ماذا تتوقع لمستقبل هذا الوضع؟
 
- الحقيقة أن سقف التوقعات منخفض جدا، لكن سقف الأحلام ليس له حدود، ومعركتنا القادمة هى معركة الوعى، فلو نجحنا فى نشر الوعى وإحياء المفاهيم الأساسية كالحرية والتعددية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وتداول السلطة وغيرها فى العقل والضمير المصرى، ستنجح الثورة حتى ولو ضلت الطريق لبعض الوقت.
 
■ حدثنا عن مشاريعك القادمة؟
 
- أعمل حاليا على مشروع ديوانى الرابع بالتعاون مع الفنان التشكيلى المبدع مصطفى سليم الذى قام بتصميم مجموعة من اللوحات الداخلية للديوان، أعتبرها إضافة مهمة للعمل لأنها تحمل فى الكثير من الأحيان على رؤية مغايرة أو قراءة مختلفة للقصائد، مما أضاف ثراء شديدا للتجربة الأصلية.
 

 
تعريف بالكاتب
 
 
- ميسرة صلاح الدين شاعر مصرى الجنسية من مواليد الإسكندرية 1979
- صدر للشاعر ديوانان بالعامية "أنا قلبى مش فارس" 2002 عن مطبوعات هيئة العلوم والفنون والآداب بالإسكندرية، و"شباك خجل" 2005 من إصدارات اتحاد كتاب مصر، وحصل عنه على جائزة شعر العامية من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكما صدر له ديوان "أرقام سرية" وأخيرا مسرحية شعرية بعنوان "الورد البلدى".