الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تضحية «مارى منيب»

تضحية «مارى منيب»

«التضحية» سلوك إنسانى راق، تبلغ  فيه الذات أعلى مراتب الإنسانية، لتكون ذاتاً فعالة خلاقة لأن تتخطى عقبات الحياة وظروفها. «مارى منيب»امتلكت هذه الروح، حياتها سلسلة من التضحيات،عاشت من البداية للنهاية من أجل إسعاد الآخرين. تخصّصت إلى حدّ البراعة فى تجسيد دور «الحماة النكدية»، فهى القادرة بكلمة واحدة أن تحوّل أجمل جنة إلى جحيم لا يطاق، وعلى رغم ذلك لا تستطيع أن تكرهها. لا شك هى الحماة الأشهر فى السينما المصرية، قدمت دور الحماة المتسلطة العنيفة المتطفلة على حياة أبنائها فى قالب كوميدى مبهر، ولكن على الجانب الآخر فحياة مارى منيب الشخصية كانت مختلفة تمامًا، فهى كانت شخصية طيبة ودودة رقيقة مثال للتضحية . « مارى حبيب سليم «الشهيرة بمارى منيب، من صغرها وهى مختلفة،لم تبد أى تجاوب مع الدراسة لدرجة أن مدرستها ومعلمتها الراهبة اتهمتها بالغباء واستدعت أمها لتخبرها أن ابنتها لا تصلح للتعليم ولا داعى للإنفاق على تعليمها، ولذلك قررت الأم اختصار الوقت والجهد وأخرجت مارى من المدرسة  لتساعدها فى عملها «خياطة» وتوفر فلوس دراستها  لشقيقتها «أليس». «مارى «التى اتهمتها المدرسة ظلما بالغباء،ظهرت عبقريتها الحقيقية فى الأدوار التى مثلتها،ولدرجة أن كل المخرجين التى عملت معهم اكتفوا فقط بشرح المشهد لتدخل هى لتضيف إليه من عبقريتها فلم تكن تقرأ ولاتحفظ أى حوار .! لم تغضب «مارى» من هذا القرار الذى جاء متوافقاً مع رغبتها بعدم إكمال الدراسة التى لا تحبها ولا ترى فى نفسها أى تجاوب معها... شعرت بسعادة غريبة لأنها تضحى من أجل الأم والشقيقة. عاشت مارى منيب طوال عمرها من أجل غيرها، عملت وهى صغيرة «13» سنة» فى المسرح لتنفق على الأسرة بعد أن عانت الأمرين فى القاهرة والتى انتقلوا إليها بحثا عن أب تركهم فى سوريا من أجل التجارة فخسر كل شىء وسقط مريضا . وقتها،قررت الأم اللبنانية الأصل مواصلة الحياة فى القاهرة،»رب هنا رب هناك « كيف ما بيقول المصريين، هكذا ردت الأم على الأسرة عندما طالبوها بالعودة إلى بيروت. سنوات قليلة ولم تعد الأم  «قاسمة» قادرة على تحمّل أعباء الحياة، فالأسعار فى ارتفاع مستمر فى ظل أجواء تنذر بنشوب حرب عالمية بين الدول العظمى، والفتاتان تكبران، إذ بلغت أليس عامها الرابع عشر، ومارى عامها الثانى عشر،صاحبة المنزل تطلب إيجار الشقّة المتأخّر أربعة أشهر، فضلاً عن الأكل والاحتياجات اليومية ... وجاء الحل من الجار الشامى الأصل أيضا الفنان « جبران ناعوم « والذى يعمل فى المسرح مع «نجيب الريحانى» .. تخرج «مارى « للعمل فى المسرح . فى أول لقاء لمارى مع نجيب الريحانى .. رفض بقوة أن تلتحق بالعمل «كومبارس» فالبنت كما قال الريحانى «طفلة صغيرة» ونحيفة وضعيفة.. فالتحقت بالعمل مع منافسه التقليدى «على الكسار» أولى زيجات «مارى منيب» نموذج آخر من التضحية،  داخل  إحدى عربات القطار المتجه إلى الشام، لتبدأ عملها فى إحدى الفرق الغنائية هناك، تعرفت على الممثل الكوميدى « فوزى منيب»  وتبادلا نظرات الإعجاب ولم تمض سوى فترة  قليلة حتى تزوجا رغما عن رفض الوالدة، وحملت اسمه حتى نهاية حياتها، وبعد أن علمت والدتها بهذا الأمر غضبت وعارضتها بشدة.. ومضت سنوات قليلة لتكتشف أن من  ضحت من أجله تزوج عليها سرا ممثلة صغيرة معهم فى الفرقة، من قدمت له كل شىء،وعارضت أسرتها وتمسكت به تخلى عنها،فأصرت على الانفصال،وحملت لقب طالق ومعها طفلين، فؤاد وبديع وابنة واحدة. تجربة الزواج والتضحية والنكران، ثم الطلاق تركت علامة فارقة فى حياة «مارى منيب».. وقررت العيش لأبنائها فقط، لكن بعد فترة توفيت شقيقتها «أليس» والتى كانت قد تزوجت من المحامى فهمى عبدالسلام وأنجبت ثلاثة أبناء. عدة مرات عرض عليها زوج الأخت الزواج للم شمل العائلة والأولاد وهى ترفض، كانت تقوم بكل شىء لأبناء الأخت وترفض الزواج .. فى إحدى الليالى عادت من المسرح لتجد ابنة شقيقتها تقرأ رواية عن زوجة الأب وتبكى بحرقة فى سريرها خوفا من زواج والدها وأن تقاسى مع زوجة الأب، هنا فقط وافقت «مارى « على الزواج للمرة الثانية، مضحية بكل شىء من أجل الأسرة. تزوجت « فهمى عبد السلام « لتربى أبناء أختها، وعاشت مع أسرته فى شبرا، وتأثرت جدا بالطقوس الإسلامية، وتلاوة القرآن الذى كان يتلى كل يوم فى منزل حماتها، وكانت تشرح لها حماتها معانى السور، وحفظت بعض آيات القرآن، فأشهرت « مارى منيب « إسلامها واختارت لنفسها اسم أمينة عبد السلام نسبة إلى زوجها «عبد السلام فهمى «، وإن ظل اسمها الفنى كما هو«مارى منيب»... وظل أعظم ما قدمت هو«التضحية « التى لا يتقنها إلا الشرفاء ولا تقبل صفحات تاريخهم إلا أن تكتب بحروف من ذهب حتى لا تمحى أبدا من الذاكرة. فالتضحية والتخلى عن كل شىء من أجل هدف سام هوفعل  لا يقدر عليه سوى الصادقين المخلصين المدافعين عن كرامتهم وعزتهم .