الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فى البداية كانت عفرين

فى البداية كانت عفرين

عفرين مدينة من أجمل المدن السورية، لعنتها أنها تقع جغرافيًا بالقرب من الحدود التركية، فرحة أطفالها اختفت بعد اغتصاب أرضها من قبل الجنود الأتراك الأردوغانيين ومعهم قطعان كثيرة من ميليشيات الإخوان الذين فضلوا الاحتلال التركى على كرامتهم الوطنية، ولم يع أحد وقتها أن تجربة عفرين كانت البداية أو جس النبض الإقليمى والدولى للتوغل التركى فى سوريا واستماتة أردوغان باحتلال الأراضى السورية وهو الحلم التركى العثمانى الذى لا يزول من عقول أصحاب العقول التوسعية فى تركيا اليوم.



فمنذ أكثر من سنة احتلت قوات أردوغان مدينة عفرين السورية، وزرعت فيها مجموعات المرتزقة التابعة لها، وأجبرت أهلها على النزوح لمناطق أخرى ونكلت بمن اختار البقاء، ونقلت آلاف العائلات ووطنتهم فيها، بعملية تغيير ديموغرافى سيكون لها آثارها السلبية مستقبلا بشكل كبير، ووصلت الوقاحة إلى منع العلم السورى الوطنى بشكل تام واستبداله بالعلم التركى بكل وقاحة، وإطلاق التسميات التركية على الحدائق العامة والساحات والشوارع، وفرض اللغة التركية كلغة أساسية فى المدارس، حتى أن مرتزقتها يضعون العلم التركى على ألبستهم العسكرية بشكل مستفز، حتى ليخيل لمن يزور عفرين بأنه فى إحدى المدن التركية الحدودية وليس فى أراض سورية.

إذا كانت عفرين بالأمس واليوم إدلب، فها هى القوات التركية تدخلها بشكل علنى، بحجة إقامة نقاط المراقبة لاتفاقات التفاهم ووقف النار المعقودة مع روسيا خصوصا اتفاق سوتشى، علما بأن هذه القوات أصبحت تنتشر الآن على طول خطوط التماس فى أطراف محافظة إدلب بدءا من الريف الشرقى وصولا إلى الريف الغربى والجنوبى، وتشارك بالعمليات العسكرية بشكل مباشر ضد قوات الجيش السورى المدعوم من روسيا، علما بأن هذه القوات تدعم وبشكل علنى المجموعات الإرهابية المنتشرة فى إدلب وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وباقى الفصائل الإرهابية والإخوانية الأخرى.

لماذا العودة إلى عفرين اليوم؟ الأمر ببساطة يعود إلى ضياع فرصة كبيرة للجم التوسعات التركية، فلو جوبهت قوات أردوغان بحزم عند دخولها عفرين وانتشارها على طول الحدود التركية السورية وإقامتها لحائط عازل داخل الأراضى السورية لما تجرأ الحالم بعودة الدولة العثمانية على القيام بمغامرة إدلب.

الدخول إلى عفرين كان بحجة أبعاد المجموعات الكردية حسب الوصف التركى، بالإشارة إلى التنظيمات الكردية المسلحة المتحالفة مع قوات التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب، والتى كان لها الفضل الأكبر بتحرير الأراضى السورية من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، والمفارقة أن نفس القوات التركية تدخل إدلب اليوم لدعم الإرهابيين الحقيقيين والذين تم تصنيفهم من مختلف دول العالم بذلك.

ولعل أردوغان أراد الاستفادة من المصالح الاستراتيجية التى تربطه مع روسيا، ظنا منه أنها ستجارية بفعلته هذه أو على الأقل لن تعارضه، فى وقت كانت علاقاته سيئة جدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه بين ليلة وضحاها بدل تحالفاته وأصبح مع الأمريكيين فى خندق واحد ضد القوات الروسية، مع الإشارة هنا إلى أنه يهاجم الجيش السورى الحليف الأكبر لإيران والحرس الثورى الإيرانى، بينما هو متحالف استراتيجيا مع طهران على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية، وربما يعتبر الوضع اليوم فى سوريا أو إدلب تحديدا من أكثر الأوضاع تعقيدا وتشابكا حول العالم، والكلمة الفصل تعود لنتائج التقدم السورى وطرد الإرهابيين من الأراضى التى احتلوها لفترة طويلة.

لولا جماعة الإخوان المسلمين وبيعتها التامة لأردوغان وارتهانها لمخططاته لما استطاع أى جندى تركى الدخول إلى سوريا، فهذه الجماعة صاحبة الأفكار المسمومة مهدت للدخول التركى بتنظيمات مسلحة تحت ستارة المعارضة، وأصبحت هذه التنظيمات أدوات تركية بامتياز، بل الأصح أصبحت جماعات مرتزقة يتم التحكم بها من قبل ضباط المخابرات الأتراك، فلا سلطة لقادتهم على عناصرهم، بل هم مجرد ناقلين للأوامر لا أكثر، حتى عندما أعطوا لهم الأوامر بالانتقال إلى ليبيا لم يمانعوا بل انتقلوا، بينما لو سلمنا جدلا بأنهم فعلا معارضة فمناطقهم تشهد معارك مفصلية فى التاريخ السورى وكان أجدى بهم العودة إلى المرشد والانتقال إلى الصفوف السورية لمواجهة العدوان التركي، لكن التبعية للتنظيم الدولى ومخططاته الخبيثة.