السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحست بنبض الجماهير فانطلقت معها شرارة الإبداع

ثورة يوليو.. صفحات من تاريخ الثقافة المصرية

كان الظرف السياسى السابق لثورة يوليو 1952، فى ظل الحكم الملكى لمصر ضاغطًا بالقدر الذى جعل المشروع الأدبى فى تلك الفترة مكرسًا لمشاعر الظلم وعدم التحقق الاجتماعى بشكل جعلها محرضة ومتنبئة بوقوع ثورة وشيكة، وما إن قامت ثورة الضباط الأحرار حتى توالت الأعمال الأدبية المحتفية بالثورة مستلهمة فى رصدها عوالم اجتماعية مشتبكة اجتماعيًا وسياسيًا، وحتى عاطفيًا لتأتى الثورة فى النهاية كمخرج من متاهة أو كالنور الذى فى نهاية النفق..



 فقد غيرت ثورة يوليو وجه الحياة فى مصر فلم تقتصر على الحياة السياسية وحدها بل والحياة الثقافية على وجه الخصوص فكان لها بصمتها على أجيال من الكتاب والمبدعين ممن عاصروها من جيل الرواد أصحاب المدارس الكلاسيكية أو من المجددين أصحاب الفكر التنويري، كذا الحال ممن لحق بهم من أجيال وخطوا بأقلامهم صورة جديدة للحياة فى مصر، وظهرت العديد من الروايات التى تنبأت بثورة يوليو.

غزارة الإنتاج الأدبى 

شهدت فترة الخمسينات والستينات رواجا على مستوى الوجوه الأدبية التى أثرت المكتبة العربية بإبداعات لا تزال خالدة حتى اليوم، وظهور عدد كبير من نجوم الأدب الذين تلمع أسماؤهم حتى الآن كمؤسسين لأدب وطنى بلغ العالمية، من أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وخيرى شلبى وإبراهيم أصلان وإحسان عبد القدوس.. وشهدت مولد أعظم الأعمال الأدبية  لـ»نعمان عاشور»، و»الفريد فرج» و»يوسف إدريس».

حتى أن رئيس الجمهورية نفسه كان له مؤلفات  فقد قام الرئيس الراحل  جمال عبد الناصر بكتابة ثلاثة كتب، وهى : فلسفة الثورة،‘يوميات الرئيس جمال عبد الناصر عن حرب فلسطين’،’فى سبيل الحرية’، وهى القصة التى بدأها وهو طالب بالمدرسة الثانوية عن معركة رشيد وفازت بالجائزة الأولى فى المسابقة التى أجراها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.

وعندما سئل جمال عبد الناصر، بعد قيام ثورة 1952، عن المفكرين المصريين الذين أسهموا فى تكوين أفكاره ومن ثم فى قرار القيام بالثورة، ذكر كتابا واحدا، هو «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، وقد كتب توفيق الحكيم رثاء حزينا للغاية يبكى فيه ناصر عام 1970.

كانت هناك أعمال روائية كثيرة رصدت تأثير الثورة على كافة مناحى الحياة فى مصر منها رواية «فى بيتنا رجل» للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس والتى تدور أحداثها فى الفترة ما قبل ثورة 23 يوليو، وكانت من الروايات التى يعتبر النقاد أنها جعلت إحسان عبدالقدوس فى صفوف الكتاب الأوائل فى مصر، وتناولت من خلال شخصية بطلها «إبراهيم حمدي» الظروف السياسية المعقدة التى كانت تمر بها مصر قبل اندلاع الثورة، من خلال حبكة إنسانية ارتبطت بسيرة طالب ثائر يشارك فى المظاهرات الطلابية «إبراهيم حمدي»، وبعدما يستشهد صديقه محمود فى إحدى المظاهرات، يقرر اغتيال رئيس الوزراء المصرى آنذاك لأنه خائن ويتعامل مع الإنجليز، وبعد أن يقبض عليه يعذب فى السجن عذابًا شديدًا ما استدعى نقله إلى المستشفى للعلاج. ويتعاطف معه ممرض فيساعده على الفرار، ويلجأ إبراهيم إلى بيت صديقه وزميله فى الكلية، محيى زاهر، البعيد كل البعد عن السياسة. وتبدأ الأحداث بالتصاعد دراميًا مع تعاطف أسرة محيى لاستضافة الشاب محيى زاهر الهارب، رغم عزوف الأسرة الكامل عن العمل السياسى اتقاء لأذاه، ما أراد به عبدالقدوس الربط بين الارتباط الشعبى بالحركة الوطنية آنذاك.

أيضا رواية «رد قلبي» هى رائعة يوسف السباعى والتى تعد من أيقونات روايات ثورة يوليو، وتحولت هى الأخرى إلى فيلم شهير حمل نفس الاسم، وتدور فيها قصة حب فى عالم غير متكافئ بين إنجى ابنة الأمير الإقطاعى الكبير، وعلى ابن الحارس الفقير المعدم، الذى مهما بلغ مقامه من مراتب فى الدولة يظل فى عين أسرتها غير لائق، وتتبدل الأحوال رأسا على عقب بعد اندلاع الثورة، وما تبعها من تبدل فى مصير الطبقات الاجتماعية وينتصر القلب فى النهاية.

أما الروائى جمال حماد فقد استلهم أحداث روايته «غروب وشروق» من الواقع البوليسى  الذى فرضه النظام الحاكم على الحياة فى مصر فترة ما قبل ثورة يوليو وتدور أحداثها حول أجواء الفساد السياسى من خلال حبكة روائية جعلت عزمى باشا فى مرمى حركة المقاومة الوطنية، آنذاك حتى تم تسريب مذكراته الخطيرة، وذلك من خلال قصة معقدة كانت ابنته مديحة طرفا فيها.الفيلم كما روايات الثورة الشهيرة تم تحويله لفيلم سينمائى ذائع.

كان لنجيب محفوظ بصمة واضحة فى أدب ثورة يوليو منحازة بقدر كبير إلى الشارع المصرى تدور أحداث «بداية ونهاية «فى ثلاثينيات القرن العشرين، بينما كان المجتمع المصرى منقسم إلى طبقة بالغة الثراء، وثانية متوسطة الحال تعتمد على وظائف الحكومة، وثالثة معدومة تمامًا يتحول إليها كل من فقد وظيفته أو عائلته، من هنا يبدأ نجيب بدايته حين ينقلب حال الأسرة المتوسطة محور الرواية إلى الفقر والعدم بعد وفاة عائلها الأب، ويسلط محفوظ الضوء على الطبقية التى كانت تسود مصر فى هذا العصر، وقادت حياة أبطال الرواية إلى الجحيم.

الرواية عجّت بالأقوال المؤلمة التى لخص بها محفوظ حالة الإحباط التى مرّ بها الأبطال، لا سيما فى رحلتهم إلى الطموح والستر، من بينها قول أديب نوبل: «لو كنا نقتصد فى أحلامنا، أو كنا نستلهم الواقع فى خلق هذه الأحلام، لما ذقنا طعم الأسف أو الخيبة»،الرواية تحولت لفيلم سينمائى أضحى واحدة من علامات السينما المصرية.

ورغم أن محفوظ كان قد انحاز للثورة فى بدايتها، إلا أنه اتجه لانتقاد مسار الثورة فى عدد من أعماله اللاحقة على رأسها رواية «الكرنك» التى تحولت لفيلم سينمائى مُنع من العرض فترة طويلة، الرواية تم تحويلها لفيلم سينمائى لاقى نجاحا مدويا عام 1961، وتم اختياره من أفضل 100 فيلم مصري، كما تم إنتاج مسلسل بالاسم نفسه.

رغم انتقاد نجيب محفوظ لثورة يوليو إلا أنها شكلت فترة ازدهار فى حياته الأدبية إذ صدر له العديد من الروايات بعد ثورة يوليو منها الثلاثية بين القصرين – قصر الشوق – السكرية، نشرت فى الخمسينات. رغم أنه انتهى من كتابتها فى أواخر الأربعينات. إلا أنها لم تنشر إلا فى نهايات الخمسينات. أى بعد عشر سنوات من الانتهاء من كتابتها.

وأعماله التى انتقد فيها تجربة يوليو وحكم جمال عبد الناصر- كلها- منشورة فى زمن عبد الناصر، جرى نشرها مرتين، الأولى فى الأهرام- والقليل منها لم يتم نشره فى الأهرام ولكل عمل منها ظروفه الخاصة- والثانية عندما نشرت فى كتب، وهكذا قرأ الناس لنجيب محفوظ: دنيا الله، تحت المظلة، المرايا، اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، السمان والخريف، الشحاذ. فى ظل يوليو.

وكان لثورة يوليو تأثير إيجابى فى الثقافة على جيل الرواد أمثال عبد الرحمن الشرقاوى ورائعته راوية «الأرض» قبل 1952، لكنها نشرت بعد قيام الثورة، وواصل التعبير عن آرائه بكل حرية، فتحدث عن العدالة الاجتماعية فى «الفتى مهران» وعن الإصلاح الزراعى فى «الفلاح»

عاصمة الثقافة العربية

على قائمة إنجازات ثورة يوليو سطوه نجم مدينة القاهرة كمنارة للإبداع  فكانت عاصمة للثقافة العربية ومقصد كل مبدع عربى فتم أكاديمية الفنون التى تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والبالية والموسيقى والفنون الشعبية، بالإضافة إلى إنشاء دار الأوبرا، كما تمت رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، والسماح بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصرى الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.

من إنجازات الثورة التى أعطتها للثقافة المصرية..إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطى للثقافة، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الثقافى فى مصر.

الثقافة الجماهيرية

أنشئت تحت مسمى الجامعة الشعبية عام 1945، ثم تغير اسمها بعد الثورة إلى الثقافة الجماهيرية فى سنة 1965. وكانت تطرح مشروع الكتاب الأول لتشجيع الكتاب المبتدئين على النشر على حساب الثقافة الجماهيرية.

ونشرت الهيئة الاستنارة الفكرية، وتحقيق وعى ثقافى شامل لكل طبقات المجتمع، وتحويل مسار الفنون للشارع المصري، بدلا من اقتصارها على الطبقة الأرستقراطية المثقفة، فى جميع أقاليم القطر المصري، لكى تؤدى دورها الفعال تجاه جموع الشعب فى كل مكان حتى للبسطاء منه.

وفى عام 1989 صدر القرار الجمهورى لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة.. تقوم على نشر الثقافة والتنوير فى ربوع الوطن بإعمال آليات العدالة الثقافية من خلال قصور الثقافة المنتشرة فى ربوع مصر (580 موقعا ثقافيا)، والنزول بالثقافة الجماهيرية إلى الشارع المصري، حتى تصل لكل فئات الشعب لزيادة التوعية وتنمية المجتمع.

هيئة الكتاب

منذ قيام ثورة يوليو 1952، كان من مهامها التنمية الثقافية حتى تسير جنبا إلى جنب مع الخطة العامة للدولة، فكان التخطيط لإنشاء هيئة ثقافية حكومية تضطلع بمسئوليات وزارة الثقافة فى مجال التأليف والترجمة والنشر.

ومنذ عام 1961 تفتقت الأذهان فى كيفية إقامة هذه الهيئة، تحت مسميات عدة من خلال القرارات الجمهورية التى صدرت منذ 1961 حتى 1994 إلى أن أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وكان قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء “الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة ” ذات طابع اقتصادى وتلحق برئاسة الجمهورية، وكان الهدف الرئيسى من إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم من خلال تكاتف الجهود التى تبذلها قطاعات وزارة الثقافة تحقيقاً لمزيد من الرقى والتقدم وبما يليق باسم مصر وحضارتها.

وأصدرت هيئة الكتاب العديد من الكتب حول الثورة والزعيم جمال عبد الناصر منها ‏:‏ سنوات ما قبل الثورة، والوثائق السرية لثورة ‏23‏ يوليو، وتأملات فى ثورات مصر‏،‏ وعبد الناصر والحرب العربية الباردة‏،‏ وثورة يوليو والحقيقة الغائبة.. مصر قبل عبد الناصر‏،‏ وثورة ‏23‏ يوليو‏،‏ والحقيقة عن ثورة ‏23‏ يوليو‏ وليلة ثورة يوليو ‏، ومعركة الجلاء ووحدة وادى النيل‏، والولايات المتحدة وثورة‏23‏ يوليو، وقصة عبد الناصر والشيوعيين‏..‏

أكاديمية الفنون

من أهم انجازات ثورة 23 يوليو 1952 إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 وهى أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة فى الوطن العربى وهذه الأعوام تعنى الكثير بمقياس العطاء والإسهام الحقيقى فى البناء الحضاري.

لم تكن هناك مؤسسات حكومية تقوم بنشر الفنون، ولذا أنشأ ثروت عكاشة أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومى بسنة واحدة، ومن خلال تلك المؤسسة استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية، فقد كانت هى إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية، والانفتاح عليها، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية فى كثير من المجالات، حيث بدأ التعاون مع بعض الدول الأجنبية لاستقدام أساتذة أجانب لتولى عملية الدراسة للطلاب المصريين فى أكاديمية الفنون من خلال دراسة أكاديمية متخصصة، والذين أصبحوا يقودون العملية التعليمية والثقافية، فيما بعد، ووصولا بتمثيل مصر فى المهرجانات والمسابقات الدولية والعالمية ووضع فنون مصر على الخريطة العالمية، ولم يكتف باستقدام الأساتذة من الخارج بل أرسل بعثات خارجية، واستحضر آلات ومعدات للمعاهد.

وتتكون الأكاديمية من المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما- المعهد العالى للباليه والمعهد العالى للفنون الشعبية والمعهد العالى للكونسرفتوار والمعهد العالى للموسيقى العربية والمعهد العالى للنقد الفني.

دار الكتب والوثائق

تمتلك دار الوثائق القومية العديد من الوثائق الهامة المتعلقة بالثورة ومنها : تنازل الملك فاروق عن العرش عقب إعلان الثورة، وكذلك الوثائق المتعلقة بالإنذار الموجه للملك السابق 26 يوليو1952 ‏، وقرارات مجلس الثورة بإلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية فى 18/6/1953 ‏، قرارات مجلس الثورة بمصادرة أموال الملك السابق فاروق، وإلغاء الحراسة 27 سبتمبر 1953‏، قرارات مجلس الثورة بتأليف الوزارة (17 أبريل1954)، وأيضا قرارات مجلس الثورة بتخلى اللواء أركان حرب محمد نجيب عن رئاسة الوزراء، وتكليف البكباشى جمال عبد الناصر بتأليف الوزارة ‏17 أبريل 1954‏، قرارات مجلس الثورة باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي، ووثيقة خاصة بالإسراع بعمل مشروع إنشاء التليفزيون.

المجلس الأعلى للثقافة

يعد المجلس مركز إشعاع للثقافة والفكر على المستوى المصرى والعربى وقلعة من قلاع التنوير والاستنارة، ففى عام 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء، تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية فى الفنون والآداب. 

وكان المجلس هو الأول من نوعه على المستوى العربى الأمر الذى دفع العديد من الأقطار العربية إلى أن تحذو حذو مصر وتشكل مجالس مشابهة.

وبعد عامين أصبح المجلس مختصاً كذلك برعاية العلوم الاجتماعية.. وطوال ما يقرب من ربع قرن ظل المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية يمارس دوره فى الحياة الثقافية والفكرية فى مصر، وفى عام 1980 تحول إلى مسماه الجديد «المجلس الأعلى للثقافة» بصدور القانون رقم 150 لسنة 1980.