الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«زينهم».. أحمد داود والبطولة الهادئة

«زينهم».. أحمد داود والبطولة الهادئة

«الموتى لا يكذبون.. يخبرونك بالحقيقة أو فقط يصمتون.» من هذا المعنى وهذه الفلسفة العميقة بين رحلة الحياة والعبور إلى العالم الآخر اتخذ الدكتور محمد جاب الله الطبيب بالطب الشرعى مسارا لكتابة أول أعماله القصصية «أصدقائى الموتى شكرا» يروى خلالها مجموعة من القضايا التى تعرض لحلها أثناء عمله بالطب الشرعى مزج الكاتب بين الواقع والخيال حيث أضفى بعض اللمسات الدرامية على قصص القضايا التى عرضها خلال روايته.



كان هذا العمل الروائى القريب من الواقع المفعم بالدراما والخيال الخصب ملهما لصناع مسلسل «زينهم» للمؤلف محمد سليمان عبد الملك وللمخرج يحيى إسماعيل؛ اعتمد المؤلف بشكل أساسى على هذه القضايا حيث شكلت محورا رئيسيا بنى عليه عصب الدراما للعمل الفني.. وهو ما فتح له مجالا لتقديم عمل درامى مختلف لا يشبه أعمال أخرى سائدة مستهلكة.

أضفى المؤلف أبعادا نفسية على شخصية البطل الدكتور زينهم لربطه بهذا العالم الغامض عالم الأموات فى أسلوبه وسلوكه بالتحدث إليهم وارتباطه الوثيق بهم؛ عن طريق ارتباطه الذهنى والنفسى بشخصية والده الذى يرى فيه المثل والنموذج يصاحبه فى الحلم واليقظة..عندما فقد هذا النموذج تعرض لصدمة وألم نفسى أثر عليه طوال رحلة حياته وحتى فى رحلة بحثه عن الحقائق؛ رسم من تلك اللفتة بعد نفسى وكذلك إنسانى فى رغبته الدائمة لإظهار الحقيقة وكشف الغموض حول الجرائم المعروضة عليه.

اختيار ذكى وموفق من الكاتب والمخرج فى الاستعانة بوسيط أدبى للمؤلف محمد جاب الله حيث أضفى هذا الوسيط حالة من الثراء الدرامى على العمل الفنى من شدة التنوع بالقضايا المطروحة على الطبيب الشرعى مما أسهم فى خروج عمل فنى استطاع المؤلف أن يضفى عليه أبعادا نفسية؛ وأخرى إجتماعية وكوميدية.. فلا يمكنك تصنيف مسلسل «زينهم» تحت جنس محدد هل يندرج تحت مسلسلات الغموض والرعب أو الإثارة أم مسلسل اجتماعى كوميدي؛ هو فى الواقع يجمع بين تلك الأنواع بحذق واحتراف ورشاقة فى رسم ملامح الشخصيات وبالجمع بين الثنائيات؛ بدأ هذا الثنائى بأحمد داود وكريم قاسم الطبيب المعاون له بالمشرحة حديث التخرج وحديث العهد بالتعامل مع العالم خارج حدود مساحته الآمنة؛ وكذلك ثنائى ياسر عزت ويارا جبران وثالثهم أسامة أبو العطا فى دور الشيخ حسنى السعاة بالمشرحة؛ رسم المؤلف ابعاد هذه الثنائيات بصورة جاذبة أضفت على العمل مزيج من الصراع والكوميديا.

تشابكت قضية البطل الشخصية مع سلوكه تجاه كشف القضايا بعمله حيث إن قبوله وانجذابه للعمل بالطب الشرعى جاء بالأساس من الحاحه الشديد فى كشف الغموض الذى أحاط حادث مقتل والده والذى يظن بشكل أقرب إلى اليقين انه قتل عمدا وهو ما يدفعه دائما للتماهى مع هذه القضايا لحلها؛ قدم أحمد داود أول بطولة له بإيقاع هادئ رصين لعب على الصراعات النفسية التى يعانى منها البطل الذى يحيا بهم وألم فقدان أبيه؛ أصيب بإكتئاب شديد جعله فى شرود دائم؛ هذا الشرود ربما انطلق منه دواود لرسم ملامح واضحة لشخصية «زينهم» سواء فى هيئته الشكلية بعدم اهتمامه بمظهره الخارجى فى طريقة مشيته وطريقة تواصله مع من حوله تلك الشخصية الهائمة على وجهها دائما؛ قدمها داود بسلاسة وذكاء وهدوء دون استعراض أو تعالٍ عليها كما فتح مجال لبطولات أخرى حوله فلم يشأ الاستحواذ على العمل بمفرده سواء فى المنطق الذى خضعت له كتابة الشخصية أو تكنيك وإيقاع أدائه لها؛ وبالتالى شكل ثنائى فنى شديد القوة مع كريم قاسم الذى استطاع إثبات بصمة هامة بشخصية «جيمي» ربما للمرة الأولى يلفت فيها قاسم انتباه المشاهدين؛ ثم الثنائى الهام يارا جبران فى دور توفيقة وياسر عزت فى دور حفنى شكلا الإثنان ثنائى أضفى حالة أخرى على الصراع الدرامى ويعتبر هذا العمل شهادة ميلاد «يارا جبران» التى ترسم لنفسها مكانا جديدا فى المستقبل القريب ثم ياسر عزت الذى أثبت بهذا الدور مدى خبرته وقدرته على السيطرة والظهور كمممثل محنك له باع طويل بمجال التمثيل. 

ثم الفنان أحمد الرافعى فى دور وكيل النيابة الذى يقدمه بجانب إنسانى شديد الجدية والعطف عادة تعتمد هذه الأدوار على الكليشيه؛ بينما خرج الرافعى هنا بخبرته الكبيرة من فخ وإطار الكليشيه إلى نمط غير معتاد فى لعب تلك الأدوار المكررة شكلا وأداء بالدراما المصرية؛ وكذلك الشيخ حسنى فى دور مغسل المشرحة الأعمى الذى حمل جزءا من الحكمة والأسى على مدار أدائه بالعمل الفني؛ 

كما كان لسلمى أبو ضيف فى دور جميلة حضور جديد ومختلف يضيف إلى رصيدها الفنى بشكل كبير؛ يعتبر مسلسل «زينهم» من أكثر الأعمال الدرامية التى قدمت خارج إطار موسم الدراما الرمضانية الجاذبة للمشاهدة واللافتة للانتباه.