الأحد 27 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب 4 (الحلقة 13)




د/ على الشامى
الرومانسى!

يقول الفيلسوف اليونانى الشهير نيكوس كازانتاكيس: ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت الكثيرين بأن هدف هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذين التيارين، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحوالتحلل، نحو المادة، ويقول أيضا فى وصف هذان التياران «أن كليهما مقدس»، انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النمساوى الشهير فرويد - يعتبر مؤسس علم التحليل النفسى - سابقا كازانتاكيس زمنيا:»إن الانسان يحمل داخله – فى النفس اللاوعاية – رغبتين أحدهما هى رغبة البناء ودعاها بالايروس، والأخرى رغبة الهدم وسماها الثانتوس، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، والعدوان هنا والتدمير المقصود كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها بل خصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى بل بتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، أما الطوفان فهو جماعة إرهابية هى الإخوان، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية فيما عرف اعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات التى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
فى الحلقات السابقة تناولنا بالتحليل شخصية قطب من ناحية الأفكار المؤسسة والتى تعد بلا أدنى قدر من المبالغة الكتاب المقدس للإرهاب فى التاريخ الحديث، بل تحمل بذور تطرف كل الجماعات الإرهابية فى العالم بلا استثناء وتناولنا أيضا رحلته الحياتية وبعض المواقف المهمة المفصلية فى تحديد الملامح العامة لشخصيته، إلا أن الحديث هذه المرة سيبدو غريبا جدا على الأسماع، خصوصا مع اختيارى لعنوان موضوعى اليوم «الرومانسى»، ما سيدفع البعض إلى التساؤل باستنكار.. كيف؟ وكيف تتصالح الرومانسية مع الإرهاب؟!

حسنا لنبدأ إذن..

فى الفن أو الأدب نجد أن الرومانسية لها خصائص معينة اتسمت بها واتسم بها العصر الذى نشأت فيه، فى أوروبا أواخر القرن الثامن عشر نجدها تتسم بالنزعة الذاتية فتجد هذه النزعة تتضمن عواطف الحزن والكآبة وأيضا الأمل، فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق فى رحاب الخيال والصور والأحلام، وهى التى نشأت فى مواجهة المدرسة الكلاسيكية السائدة قبل هذا التاريخ. قطب عمل لسنوات فى مجال النقد الأدبى وله كتب ومقالات عدة فى هذا الشأن، وكان ذلك قبل السفر إلى أمريكا فى بعثته إليها من قبل الحكومة المصرية، -وهو ما تحدثنا عنه فى حلقة سابقة- وما حدث خلالها من صدمة حضارية أدت به لتحويل المسار.

 الحديث هذه المرة عن ملمح غريب بعض الشىء فى شخصية قطب التى حملت أفكارا رومانتيكية حتى الكتابة العنيفة التى ساقها فيما بعد تنطلق من هذا المنطلق، قام قطب بتأليف رواية وحيدة هى رواية «أشواك» ويروى فيها قصة الحب التى عاشها ولم تكتمل، لنقرأ أحد مقاطعها «ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪها ﻟﯿﻠﺒﺴها ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ، فى ﺣﻔﻞ ﻣﻦ اﻷهل واﻷﺻﺪﻗــﺎء، وﻓى ﺿﻮء اﻷﻧﻮار اﻟﺴﺎﻃﻌﺔ، وﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ فى اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﺠﺎورة... أﺣﺲ ﺑﯿﺪها ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻣﺘﻘﻠّﺼﺔ فى ﯾﺪه، وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا دﻣﻌﺔ ﺗﻨﺪ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿها»، نجد أن الكلمات تدخلنا فى الأجواء الرومانسية التى تعج بها الرواية، كما أذكر أيضا هنا احدى الروايات الهامة التى كتبها نجيب محفوظ وهى «الثلاثية»، تجد شخصية مثالية هى كمال، والتى قام بأداء دوره فى الفيلم الفنان نور الشريف، شخصية المثالى تذكرك بقطب وروايته «أشواك» تؤكد هذا النموذج المثالى الغارق حتى أذنيه فى الرومانسية بمعناها المجتمعى - العاطفى - ومعناها النقدى السالف ذكره.

 تحدثنا عن أن العدوان مرتبط بالعنف وتحدثنا عن أن تيارى الحياة أحدهما بناء والآخر هدام، لكن الحياة نفسها لا تستقيم إلا إذا تحرك التياران معا، نعم تقمع الحياة الموت لكن كيف قمع الحياة الموت إذا لم يتنافسا، فنجد الشخصية المثالية فكريا تسير على خط واحد وهو عدم العدوان، حتى أن فرويد يقول بأنه لابد من وجود عدوان من الذكر تجاه الأنثى فى العملية الجنسية وإلا لن يحدث الاختراق وبالتالى تصبح الناحية البناءة للمشاعر والهدامة للاختراق فتتولد الحياة نفسها، أما ما نراه فى حالة الشخصيات المثالية فهو سير على نهج واحد وهو نهج رومانسى أو مثالى لا تؤدى إلى الاختراق، ثم تنقلب إلى الوجة الآخر - الهدم على طول الخط - وهو من سمات الشخصية النرجسية إلا أننا ومع ذلك نجد أن قطب فى عز العنف والهدم يفعل ذلك بشكل رومانتيكى - طبعا حديث هنا عن الناحية الفكرية للأفكار وحديثى عن الاختراق كان من الناحية النفسية - وهو ما سنحاول عرضه أونتحدث عنه بشكل أكثر استفاضة.

عرضنا فى حلقات سابقة للصراع بين الغريزة الممثلة لكل ما هو بدائى ويتسم بالعنفوان ويدعى طبقا لنظرية التحليل النفسى «الهو» هذا من طرف وما بين القيم ومجموعة القوانين المسيطرة على النفس أو منظومة المبادئ والأخلاق وهى معبرة عن السلطة الأبوية وهى قامعة للغريزة، هذا من الجانب الآخر وبين الجانبين تكاد النفس أو الذات تنسحق ولتجنب هذا المصير فإن النفس – بشكل لا واعى – تصنع حيلا دفاعية لتجاوز مرحلة القلق العصبى التى تسيطر على اللاشعور جراء هذا الصراع القائم بين الهو والأنا العليا، وعرضنا أيضا لعدة صور من الحيل الدفاعية لعدة شخصيات سابقة، وهنا يستخدم قطب – بشكل لاواع بالطبع – نظرا لتأثر شخصيتة بالرومانسية والمثالية حيلة دفاعية هى التسامى وهى أن نضع أهدافا سامية وعظيمة تجعلنا قادرين على تحمل الصعاب وتجدها أحيانا كما ذكرنا من قبل فى بعض الشخصيات الرياضية التى تقاوم شهواتها للحصول على بطولة أو الباحثين للوصول لدرجة علمية معينة وهكذا ويعزز ذلك الطبيعة النرجسية لقطب التى تجعله رافضا الاعتراف بأنه على خطأ أبدا لدرجة ربما تكسره أو تصيبه بالاكتئاب فى حالة الاعتراف بذلك وتجد نفسك هنا فى دائرة مغلقة بين رومانسية مشبعة بأعراض نرجسية تقودك الى تسام لا واع وبين تسام يدعم الشخصية المثالية من جانب وأفكار تحمل رومانسية غشوم على المستوى الفكرى تؤسس لكل أنواع الإرهاب الفكرى فى العالم.