الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفرق بين العمل الصَّالح وعمل الخير




فارق كبير بين العمل الصَّالح وفعل الخير، فليس كل فعل خير من العمل الصَّالح، فمن ينفق فى سبيل الله أموالاً جلبها من حرام لا يقوم بعمل صالح، إنما يقوم بعمل خير للآخرين، لكن لا يقبله الله، والذى يدخل مزادا يخصص دخله لمصلحة الأيتام، فيشترى رداء لراقصة مشهورة، لا يعمل عملا صالحا، ولا الراقصة التى يهوى لباسها، إنما هو يقوم بعمل خير، وليس بصالح للعرض على الله كحسنة يُثاب عليها، فالعمل الصَّالح يجب أن يكون مما يقبله الله، وأن يكون خالصا لوجهه، وأن يبذل فيه أقصى الطاقة، والله تعالى يقول فى مُحكم آيات الكتاب: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ }الأحقاف15، وكما ورد بالحديث: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا}.
 
 
أما ذكر كلمة الخير فى القرآن فيعنى الخير المطلق، أى الذى استوفى شرائط قبوله، بما يعنى أنه عمل صالح، وقد تعنى تلك الكلمة فى أحيان أخرى التمايز بين الخير والشر، لكن لا تعارض فى تمييز عمل الصَّالحات الذى ذكرناه، عن عمل الخير الوارد بالقرآن على أنه عمل صالح، وهما غير ذلك الخير الذى أطلقه النَّاس فى أيامنا هذه بلا تمييز على كل الأعمال، حتى أقاموا المزادات الماجنة واليانصيب وحفلات الغناء والرقص حتى الصباح بدعوى أن الحصيلة ستئول لعمل أو جهات الخير.
 
تخصص الدعاء وقراءة القرآن
 
من بين معتقداتنا أن الدعاء مخ العبادة، لذلك ترانا وقد أفردنا للدعاء مرتبة خاصة، ولأسفى فإن الناس قد انتهى جهدهم عند الدعاء، ويتصورون أنهم يعملون عملا صالحا، فهم يدعون الله ولا يعملون.
 
 هل تصور الناس أن الله يجيب دعاء أعزب أن يهبه الله ذرية طيبة!، أنه لابد عليه أن يتزوج حتى يقبل الله دعاءه ويهبه ما يبغيه من ذرية طيبة، لذلك فإن الدعاء بلا عمل غير مقبول، ولقد بين القرآن ذلك بقوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}البقرة 250؛ بما يعنى أنهم أقدموا على العمل ثم جأروا لله بالدعاء، ويقول تعالى بسورة يونس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ{9} دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{10} ؛ وهو ما يعنى أنهم آمنوا أولا، ثم عملوا الصالحات ثانيا، ثم دعوا ربهم ثالثا.
 
وإن الذين تخصصوا فى ميكنة الدعاء، والذين طبعوا نصوص الأدعية فى كتب، إنما يُخَدِّرُون الأمة، ويقومون بنظم السجع فى الدعاء يحفظونه للناس، ويصنعون سقطات نفسية استعاض بها أولئك الداعون لله دون عمل يسبق الدعاء، ودون إبداع، ودون دراسات، فى زمن يرعى العلم والإبداع، لقد استعاضوا بها عن العمل، وخانوا الأمة حين قاموا بتفسير قوله تعالى إن كثرة الاستغفار القولى تصنع الرفاهية وتزيد فى الذرية، وحرضوا الناس على كثرة الاستغفار بقولهم إن النبى كان يستغفر الله فى اليوم والليلة أكثر من مائة مرة، ولم يُعلِّموهم أن الاستغفار نسيج عملى يتبعه اعتراف قولى.
 
إن أولئك الداعين والمستغفرين يظنون أنهم يقومون بعمل صالح، ويمنحون أنفسهم حق الراحة بعد عناء الدعاء والاستغفار، وهو ما يضر بمسيرة الأمة نحو التقدم الخلقى والعملي، وكان يجب التعامل مع الأمر بتكامل، حتى لا تتخصص الأمة فى القول بلا عمل، فما أسهل تلك المهمة، وما أسوأ نتائجها، فالعمل الصالح ليس قولة تقال، إنما هو عمل مثمر فى النفس والكون من نفس مؤمنة تفعله لله رب العالمين فذلكم هو العمل الصالح فهو ليست قولة بدعاء تعوه، ولا سجدة تسجدها، فعبادة الله غير الصلاة كما أسلفنا، فعبادة الله أى طاعته بكل الدروب هى الدين الواجب أما الصلاة فهى عامل مساعد على الهداية، وتأمل ترتيب الصلاة ووزنها وسط الصالحات من عمل الفرد فى قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}البينة 5؛ فذلكم هو أكبر دليل على أن العبادة غير الشعيرة وإن كانت الشعيرة جزءا من طاعة الله لا يجب أن تنفصل، لكنى هنا أقوم بتكريس الجهد لمنظومة العمل الصالح الذى نسيه أصحاب مقولة الصلاة عماد الدين، والذين يدعون الله بالمأثورات التى حفظوها من الأدعية بينما لا تكاد تجد لهم جهدًا يذكر فى حركة الحياة ونمائها..
 
ومما هو جدير بالبيان أنه يسهل على الجميع إطلاق تلك الترانيم القولية التى تخرج من الفم، إن ذلك هو منطق ومنطلق الكسالى من الذين يتصورون أنهم يحسنون صنعا، فقراءة القرآن، والتقعر فيه، وقطع أشواط من الوقت والفكر لأجل أحكام التلاوة، أمر لا بأس به، لكن أن يظل هذا حال كل من بالمساجد فى تعاملهم مع كتاب الله ولسنوات عديدة، فذلك ليس بعمل صالح، لكنه إسقاط نفسى ومخدر موضعى يظن به صاحبه أنه يعمل عملا صالحا، لأن الأصل فى القرآن التدبر العقلى والتنفيذ العملى لما تم تدبره، والدعوة به، وليس التكرار والتكرار حين التقوقع فى الخلوات والمساجد فقط.
 
فضل العمل الصَّالح لصاحبه فى الدنيا
 
وللعمل الصَّالح جزاء فى الدنيا قبل الآخرة، فيقول تعالى فى شأن جزاء الدنيا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}النحل97؛ ويقول تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}النور55؛ ويقول تعالى: {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }الجاثية21؛ فالحياة الطيبة والاستخلاف فى الأرض والتميز عن أصحاب المعاصى فى الدنيا والآخرة هو الجزاء الصريح لمن كان عمله صالحًا.
 
جزاء العاملين صالحا فى الآخرة
 
وللمداومين على العمل الصَّالح جزاء مميز فى الآخرة، حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً}الكهف107؛ ويقول - صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}الرعد29؛ ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ }العنكبوت7؛ ويقول جل شأنه: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }هود11؛ فتكفير الذنوب والمغفرة والمكافأة بأعلى قيمة، ودخول الجنة، هى الثواب لمن كان من أصحاب العمل الصَّالح.
 
لكن لابد من التنويه أن الإيمان بالله هو الأساس الذى يقبل الله به الصالحات من الأعمال ويقبل الصلاة، لكن هل يكون الإيمان بالله تلك المعرفة القديمة أو المتوارثة بأن الله واحد؟، وهل ينفع إيمان بغير عمل صالح؟، بالطبع لا، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}الأنعام١٥٨؛ فهل تدبر المسلم معنى قول الله: [أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْراً]، إن ذلك يعنى بأن الإيمان وحده بغير عمل صالح لا ينفع، لذلك... ولأن العمل الصالح هو ممارسة الحياة بقانون الله، وما الصلاة إلا جزء يسير من تلك الممارسة، وهى تكون فى المرحلة التالية من الأعمال الصالحة، لأن العمل الصالح الذى عناه الله هو فائدة المجتمع، أما الصلاة فنفعها شخصى فى معظم الحالات، وهى تنفع المجتمع بطريق غير مباشر، لذلك فلابد للمسلم من عمران الأرض، لأننا مستخلفون فيها.
 
وعمارة الأرض يجب أن تكون بعلم، فما يمكن عمران الأرض بلا علم، لذلك كانت القراءة هى الأصل لتكوين ثمرة يمكن الاعتداد بها فى الدنيا، فالفريضة الأولى على الإطلاق هى تلك التى تخدم المجتمع، وهى القراءة، فأول ما نزل من دين الله هو الأمر الإلهى (اقرأ)، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ }العلق1 ؛ تلك الفريضة لم تجد الاهتمام بديار الإسلام، رغم أن النبى جعل عتق أسرى المشركين من أهل مكة أن يعلم كل منهم عشرة من أبناء المدينة المنورة القراءة والكتابة، فها هو القرآن، وتلكم هى السُّنة، فأين نحن من تعاليمهما؟، وأين نحن من عقيدة الطاعة للرحمن؟
 
 فبالقراءة ينهض المجتمع، ويكون للعمل الصالح مذاق، وللإيمان علامة فى المجتمع، ولو أن أهل الفقه القديم تنبهوا ما تركوا الشعوب فى أُمية لم تُزلها عنهم إلا ثورات اجتماعية لا تتزيا بزى الدين، فكان أن أصبحت الثقافة خارج أُطُر الأهداف القرآنية وما ذلك إلا بعدم تنبه الفقهاء قديما وحديثا للأهمية الجلل للقراءة.
 
إن العقيدة ليست معرفة لكنها يقين يُفضى إلى طاعة، فالمؤمن الذى لا يطيع لم يكسب فى إيمانه خيرا وذلك هو سوء المصير بالرغم من الإيمان بالله والرسول والكتاب واليوم الآخر، لكنه إيمان لا ينفع صاحبه لأنه بلا ثمرة.
 
والقراءة قد تعنى المطالعة فى أول مراحلها، لكنها تعنى بعد ذلك البحث والتدبر، فما جُعلت القراءة لمجرد المطالعة، لكن جُعلت لتنتفع الأجيال من الأجيال، وما ذلك إلا لنفع المجتمع بصالح أعمال المثقفين.
 
والقراءة لا تعنى القراءة فى كُتُب الدين فقط، لكنها فى كل الكُتُب، لأن الغرض هو عمران الحياة، أما أهل الزمن القديم فحصروا أهمية القراءة فى كُتُب الدين ومطالعة القرآن، بل ابتدعوا بدعة فقالوا بأن النظر للقرآن عبادة، وبذلك تأخرت ديار المسلمين عن ركب المساهمة فى عمارة الأرض، والتى هى الهدف الأصلى لاستخلافنا فى هذه الأرض، وهى الغرض من حياتنا، فلم نُخلق لنُصلى فقط، بل إن عمارة الأرض صلاة، والتعاون صلاة، والعلم فى علوم الحضارة صلاة، ولكل منها ثواب قد يعلو على ثواب الركوع والسجود اللازمين للمسلم، واللذين يجب علينا المحافظة عليهما فى أوقات فرض الله علينا أداء الصلاة فيها.
 
إن فكرتنا عن العمل الصالح، وتأخره فى أسبقيات اهتماماتنا أوردت أمتنا مورد التهلكة والمذلَّة بين الِشعوب، بعد أن استنفدنا طاقاتنا فيما لا يتناسب مع العصر الذى نعيش فيه، فترى بلداننا متدابرة وهى تتفاعل بالنرجسية لأن كلاًّ ينسب لنفسه الحق ولأخيه الباطل، وما ذلك إلا لأننا أصحاب ثقافات قولية وشخصية، فلم نرع للعمل قيمة، ولم نرع للآخر حقًا، ولم نتبين منهاج التطور للأزمان، بينما حصرنا العمل الصالح فى محفوظات قولية وأعمال شخصية عكفنا عليها، وبذلنا طاقاتنا لأجلها.
 
 نعم الصحابة هم منارات الإخلاص، وهم اللآلئ فى تاريخ الإسلام، لكنهم كانوا يتفاعلون مع واقعهم، فلكل زمن واقعه الخاص الذى يجب التعامل معه من خلاله، وحبهم وحب السلف الصَّالح من الإيمان، لكن لابد للحب والتقليد من ضوابط، ولابد لنا من إقامة السُّنة، لكن لا نستحمق فى تنفيذها، فنلحق الضرر بالبلاد والعباد.
 
ولابد من الوقوف على دلالات الألفاظ وإعادة قراءتها وفق منظور كل عصر ومعطياته؛ حتى نخرج بأعظم فكر لتنفيذ كتاب الله وتعاليم النبى عن العمل الصَّالح، كما كان يفعل المخلصون بكل عصر.
 
 إنى لست ضد الصَّلاة المفروضة ولا صوم رمضان، كما أنى لست ضد النوافل لمن لم يجد غيرها وسيلة للعمل الصَّالح، أو لمن يجيد أداءها مع أداء الأعمال بإبداع وتفوق بذات الوقت، لكن لابد أن نعلم أن العمل الصَّالح بالأسبقية الأولى هو ما تنصلح به الحياة، وينصلح به أمر الخلائق، ولابد أن يعلم كل منا أن لكل واحد فينا عملاً صالحاً يتميز به عن قرينه، ولابد أن تكشف مواهبك للمجتمع بعد أن تكتشفها أنت، وعليك أن تصبغ المجتمع بصبغتك الطيبة التى يرضاها الله، فبذلك تكون أول المسلمين كما أمرك الله.
 
ولابد أن نودع القمع الفكرى لحمل النَّاس على اتباع نهج محدد بذاته فى أداء النوافل والمستحبات، فليس هناك وكيل حصرى للإسلام، والسُّنة النبوية فيض من الفيض الأعظم، فلا نتعصب لذمة فقه التمسك بما لم يعنه رسول الله، وما كان منهاجه - صلى الله عليه وسلم - أبدا إلا دعمًا للعقل، والتعاون المثمر بين العقول باسم الشورى للوصول إلى أفضل النتائج، وكان - صلى الله عليه وسلم - المجتهد الأول فى التدبر والتفكر، وكان يحكم فى الأمور وفقا للظروف، والأزمنة، والأشخاص كما بيَّنا، فتلكم هى السُّنة النبوية الحقيقية.
 
ولابد أن نعمل جميعا وفق منظومة تطور الحياة، فتلكم هى حقيقة التدين، فعمارة الدنيا عبادة، والسعى للرزق فيها جهاد، والإبداع والتفوق فى العمل لخير البشرية خير من صلوات عند الحجر الأسود، ولابد من إعادة صياغة العقل العربى حتى يتفاعل مع الواقع قبل أن يتعامل مع الوقائع، وينظر للتطور فى الحياة ويؤمن بأنه سنة الله التى يجب أن يعمل بمقتضاها قبل أن ينبش ليعمل بسُنَّة رسول الله الذى لم يكن متخلفا عن واقعه.
ولابد من أن تكون لك هـالة دائمة ومتطورة لحب الحياة، تنبثق من كمال عبد يُحب الحق، ويجب أن نصل بتلك الهالة لنغطى وجه الحياة بالحب، فبها ينبثق حُبُّ الخير للناس، وبها يتم عمران الحياة، وهى ضرورية لنعوِّض ما فاتنا من نواتج فكر البداوة، فتلكم رؤيتى الخاصة عن أصل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى معنى العمل الصَّالح بالقرآن والسُّنة.
 
وأخيرا أذكركم بقول المولى تبارك وتعالى بأن عليكم واجبا لاختيار منهجكم العملى والفكرى عن العمل الصَّالح، أيكون وفق ما ذكرته لكم أم يكون وفق المنهج القديم للصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ والذين كانوا لا يجدون حيلة إلا فيما قاموا به من فكر وتنفيذ للعمل الصَّالح، وكان هو البذل الأقصى فى زمانهم، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر18؛ فأيهما أحسن لك وللأمة التى أنت منها