
هناء فتحى
سوسن جميل حسن
يكفى أن تنطق اسمها هكذا، لتعرف أن عينيك قد تكحلتا بمساء دمشقى البهاء، وأن قدميك قد عطرهما تراب سوريا -نصفنا الثاني- وأنك قد أوغلت فى عشقها الشامى الأبدى من جديد: «سوسن جميل حسن» أو اختصاراً كما تكتبه هى على أغلفة روايتها الأربع: «سوسن حسن» الطبيبة والأديبة السورية الرائعة.
ولتعرف أيضًا أن سوريا لم تضع، ولن تضيع، ليس لأن هناك من يرتق جراحها العميقة الغائرة، وﻻ لأن بها حكاما يرفضون ضياع الأوطان المهلهلة، بل لأن هناك من لن يسمح بضياعها، انهم روائيوها وشعراؤها، هم ضمير التاريخ الحق ومدونوه، وﻻ تلتفت بعد ذلك للساسة وتجار الأوطان، وهذا تحديداً ما تفعله وتسجله الطبيبة والاديبة السورية (سوسن حسن) فى رواياتها البديعة «حرير الظلام» و«النباشون» و«ألف ليلة وليلة» و«قميص الليل».
حين تسألها كيف استفادت من مهنة الطب فى كتابة الرواية، وفى الاستبصار بالسياسة، وكتابة المقال، والانخراط عمومًا فى كل ما يجرى بسوريا تحديدًا فى الأربع سنوات الأخيرة؟ تقول سوسن حسن:
عندما جئت من ميدان الطب إلى واحة الكتابة كنت أضمر الكثير من الاحلام، وأحمل فى داخلى زادا من الخامات التى أسست بها عوالمى الروائية، فالطب والأدب يلتقيان على طريق الإنسانية، للطب دوران أساسيان هما الوقاية والعلاج، وللأدب والثقافة بشكل عام أدوار مشابهة وللمثقف دور كبير فى حماية الوعى العام والتأسيس لمناعته ثم دفعه إلى الإبداع.
فى رواياتها الأربع انشغلت سوسن حسن بقضايا المهمشين السوريين، وتناولت الفساد المستشرى وانتهاك المنظومات القيمية والمعرفية، وتحدثت عن السلطوية المتحكمة فى مفاصل العيش الفردى والجماعى من رأس الهرم نزوﻻ إلى القاعدة.
مثلا فى روايتها الأولى «النباشون» تقول سوسن حسن:
«كتبت (النباشون) ونحن على مشارف لحظة الانفجار السورى، كنت أدق ناقوس الخطر، وعلى ما يبدو، كان معظم الناس نيام، أو ربما لم يتوقعوا أن تكون العاصفة بهذا القرب، وها نحن نلمس النتائج بكل كثافتها وتجسدها، بل إننا نعيش قلب الإعصار».
وفى روايتها الرابعة «قميص الليل» أرخت لذلك العنف الذى يجتاح بلادها، الحرب المفروضة على الشعب السوري، بذلك التشظى المجتمعي الخطير والذى ينذر بكارثة مستقبلية ﻻ محالة.
الطبيبة سوسن حسن تساءل الأديبة سوسن حسن: كيف سينهض مجتمع غارق بالدم والثأرية؟
وتجيب: «لقد شغلنى وأرقنى الخراب الممنهج للإنسان على هذه الأرض وبتره عن تراثه الحضارى ومسيرته الإنسانية التى تمتد لأكثر من 8000 عام، شغلتنى الانزياحات القيمية التى تحدث بسرعة حد الانهيارات، فى النتيجة هى محاولة لإنارة الزوايا المظلمة التى تعشش فيها العناكب السوداء السامة فى وقت ربما ﻻ يسمع فيه أحد صوت الضمير والعقل، لكن ﻻبد لصدى صرخات من هذا النوع أن تحدث ثغرة فى الوعى».
هل هى متفائلة؟ متشائمة؟ أم أن كارثية ما يجرى بسوريا تجعل عيون زرقاء اليمامة عاجزة عن الاستبصار ؟
تقول: «الواقع السورى الحالى واقع يفوق الوصف، كارثي فى كل المناطق حتى تلك البعيدة عن ساحات النيران، أطفال سوريا ونساؤها هما الشريحتان الأكثر عرضة للعنف، معظم أطفال سوريا خارج ساحات الطفولة، وبالرغم من ذلك أظن أن هذه التجارب الكبيرة التى تمر بها منطقتنا سيولد من رحمها آدابها وفنونها وثقافتها الخاصة، وأوقن أن شريحة الشباب السورى هم كنزنا وهم من سوف يرسمون بإبداعهم ملامح الأدب الجديد، الأدب النابض بالحياة والمنبعث من قلب الأنقاض».