
هناء فتحى
اتحاد أوروبى جديد
فوق الحيرة.. أو فوق الغيمة.. وفوق أرض ليست كاﻷرض، يقف السوريون على اليابسة مشطورين ما بين «سوريا» التى وراءهم وما بين «البحر» الذى أمامهم.. وهم ﻻ يعلمون، ولسوف يعلمون أن بغربتهم الموجعة تلك، وبهوانهم على الناس، وبدمائهم المراقة على عتبات بلادنا وبلادهم وبلاد الفرنجة سوف يكتبون - بل يصنعون - تاريخ أوروبا القادم وتاريخ الإنسانية.
ﻻ تصدقوا أبداً عبارة مدير الاستخبارات الفرنسية (برنار باجوليه) التى أطلقها الأسبوع الماضى خلال مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن بأن «النزاع فى سوريا والعراق ينذر بتغيير المنطقة.. وأن الشرق الأوسط الحالى انتهى إلى غير رجعة، وأن المنطقة ستكون مختلفة عما تم ترسيمها بعد الحرب العالمية الثانية».
هذا ما كانوا يسعون إليه وما خططوا له سنين طوالا، لكن «برنار باجوليه» ﻻ يدرى ولسوف يدرى بأن عشرات الآلاف من السوريين اللاجئين النازحين المطرودين، هم من سوف يرسمون من أول وجديد تخوما وحدودًا وثقافة وسياسة الاتحاد الأوروبى.. ليس السوريون وحدهم بل والدواعش الذين صنعوهم من أجلنا وتسربوا إليهم فى هدوء.
وعليك أن تسأل نفسك لماذا تطلق أوروبا مثل تلك التصريحات الآن مع إن الظروف فى منطقتنا لم تعد فى صالحهم وﻻ على هواهم؟ بل وأين ذهب حنان «أنجيلا ميركل» «نجاشى» ألمانيا التى ضاقت الآن بمن جلبتهم من السوريين؟ والأهم هو لماذا اختفت تقريباً الهوجة الاعلامية العالمية الضخمة التى اشتغلت لشهرين على السوريين الغرقى فى المتوسط ولماذا توقفت أو خفتت بعد دخول روسيا بثقلها فى الأراضى السورية؟ لم نعد الآن نشاهد اللوكيشن الثابت على الشتات السورى والجثث المطمورة أسفل مراكبهم؟ مكشوفة قوى.. صح؟
أزمة اللجوء السورى التى اصطنعتها ميركل واتحادها الأوروبى هى التى سوف تفتت أوروبا لوﻻيات متنازعة متناحرة.. لأنهم ﻻ يدركون قسوة الوحش الذى يدفئ فراشهم: أوﻻ بدأت السلطات الألمانية هذا الأسبوع بالتحقيقات بشأن عشرات الدواعش المتسربين بين مواطنى سوريا اللاجئين والذين سيصل عددهم بنهاية هذا العام لمليون ﻻجئ.. بالإضافة إلى التحقيقات السرية التي بدأت حول تجنيد بعض اللاجئين لعدد من الألمان لالحاقهم بالتنظيم الإرهابى الذى صنعوه ومولوه وأرسلوه إلى سوريا.
عدة أسباب سوف تؤدى إلى تلك الفرضية الخاصة بأوروبا.
أوﻻ لن ينسى هؤﻻء اللاجئون بأنهم فى دول احتلال لبلادنا قديمة.. كما أنهم هم من فتتوا بلادنا الحديثة.. وأنهم لم يجلبوا السوريين للاتحاد الأوروبى (لخضار عيونهم) ﻻ.. لكن لأن السوريين تحديداً عمال مهرة (شغيلة).. وابناء مجتمع علمانى مثقف.. وأن أوروبا فى حاجة ماسة إلى أيدى عاملة غير مكلفة.. وتقاريرهم تقول ذلك، تقول بأن أوروبا وألمانيا تحديداً تعانى من نقص فى العمالة الماهرة وانخفاض فى معدﻻت الخصوبة وارتفاع فى معدﻻت الشيخوخة.. وبهذا سوف تدرك أوروبا ﻻحقا بأنها قد مهدت بالبحر المتوسط وبجثث السوريين وبالاحياء منهم، مهدت لأوروبا جديدة نتيجة هذا التغيير الديمجرافى على الاقتصاد الألمانى.
ثانياً وهو الأهم أن السوريين قد فقدوا أثناء وجودهم فوق الحيرة وفوق الغيمة حيث سوريا التى وراءهم والبحر الذى أمامهم.. فقدوا انسانيتهم!! تكفيهم مقولة رئيس دولة التشيك بأن (الحجاب سوف يحرمه من رؤية جمال نساء سوريا) عبارة كتلك لو قالها لمواطنة تشيكية عنده لقاضته بتهمة التحرش.. هذا بالإضافة إلى عمليات اعتقال وعمليات اغتصاب للنساء وللأطفال السوريين فى مراكز اللجوء بطول أوروبا.