أيمن عبد المجيد
الوطن فى خطر
الشعب يحبس أنفاسه، والوطن على فوهة بركان، فى ظل تزايد حالة الاستقطاب والحشد، وبلوغ موقف طرفى الصراع سقفه الأعلى، فالرئيس وجماعته وحلفاؤه الإسلاميين يتمترسون فى خندقهم مكتفين بتكرار دعاوى الحوار، والمعارضة تصر على مطالبة الرئيس بالرحيل والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، والجيش يطالبهما بحل سياسى ويحذر من الانزلاق إلى عنف يخرج عن السيطرة، مؤكدا أنه سيحمى الشرعية.
الشرعية التى وعد الجيش بحمايتها، يفسرها كلا من طرفى الصراع لصالحه، فالإخوان وحلفاؤهم يرون الشرعية فى نتائج الصناديق التى جاءت بالدكتور مرسى لكرسى الرئاسة، والمعارضة ترى الشرعية فى الإرادة الشعبية فيما يتعتزمون حشده فى الشوارع من ملايين الجماهير اليوم 30 يونيه، الذى يكتمل معه العام الأول من حكم الرئيس القادم من رئاسة حزب الحرية والعدالة الزراع السياسية لجماعة الأخوان لرئاسة مصر أكبر وأهم وأعرق دول الشرق الأوسط والأكثر تأثيرا به، التاريخ يقول: إن الجيش ينحاز دائماً للشعب لأنه الأبقى.
خطأ الرئيس أنه يمارس القيادة بمنطق لعبة الشطرنج، التى يكون فيها الملك آخر المتحركين، وهو الخطأ الذى ارتكبه الرئيس السابق، فمبارك أعتمد على أجهزته الأمنية لمواجهة دعاوى الحشد لتظاهر فى 25 يناير 2011 متجاهلاً القرارات السياسية كحل جذرى لتهدأة الشارع، والأجهزة الأمنية بنت خططها على محورين الأول السيطرة على الأحزاب المعارضة التى كانت تحت السيطرة مجرد ديكور سياسى والمحور الثانى قمع المتظاهرين بالعصى الأمنية حال محاولتها الخروج عن السيطرة، لكن الاعداد فاجأتهم وكانت أكبر من المتوقع وسط ترحيب من قيادات أجهزة سيادية وربما الدعم للخلاص من مشروع التوريث بسواعد الشباب -لتحليل ذلك مجال أخر- وسقط مبارك عندما جاء الحشد عبر مواقع التواصل الاجتماعى و من خارج الأحزاب.
الدكتور مرسى يسير على خطى مبارك فى التعامل مع الأزمة، تحرك متأخرا، واستبدل المتعارف عليه دوليا فى مثل هذه الأحداث وهى القرارات السياسية، بالاعتماد على حشد الاتباع، ومحاولة استقطاب قيادات المعارضة الحزبية، أتباع الرئيس أقلية فالأرقام تقول: إن تيار الإسلام السياسى بكل حركاتة وأحزابه مجتمعة لا تتجاوز 10% من الشعب، وهى النسبة التى كشفت عنها انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، عندما قاطعت الجماهير غير التنظيمية فى كيانات سياسية كانت نسبة التصويت فى متوسطها 15%، حشد الإسلاميون كامل طاقتهم وحشدت المعارضة المنظمة كامل أعضائها، وجاء نصيب الاسلاميين من أجمالى التصويت 10% وعندها كتبت ذلك.
كما أن الحكام أقلية فأن المعارضة المنظمة فى حركات وأحزاب وكيانات أقلية ولا تتجاوز 5%، والكتلة العظمى من الشعب غير منخرطة فى كيانات، وبالتالى تنافس كل من الإخوان وحلفائهم والمعارضة على استقطاب أكبر شريحة من هذه الكتلة الحرجة غير المنظمة وتحريكها لصالحة، وفى ظل حشد المعارضة لكتل من تلك الجماهير للنزول متبنية مطالب حركة شباب تمرد وحلفائها من جبهة الانقاذ، كان على الرئيس أن يسعى إلى استقطاب شريحة كبرى تفرغ قوة الحشد، وهذا علمياً لا يكون سوى بقرارات سياسية تخدم الجماهير وتحقق مطالبها وتقنعها بأن هناك إصلاحاً حيقياً على الأرض واستجابة من الحاكم ونزولا على مطالب شركاء الثورة، لكن أن يلجأ الإخوان لمظاهرات استعراضية تستهدف مغازلة الخارج وايفاد رسائل أن للرئيس انصاراً كما له معارضين، حماة للشرعية، فإن أنصار الرئيس لن يكونوا أكثر قوة وعتاد من قوات الأمن المركزى فى عهد مبارك بل والأخطر أن استخدامهم فى مواجهة جماهير غاضبة ينزلق بمصر لعنف أهلى يراق فيه دماء مصرية، فالحاكم يملك سلاح القرار السياسى وتجاهل استخدامه يعرض نظامه لهزات عنيفة.
مصر فى لحظة تاريخية حاسمة، تتكرر مع كل نظام قبل أن يثتتب أو يخلع، لكن مع متغير مهم، اللحظة حسم الحاكم للصراع مع مراكز القوى، محمد على والمماليك فى مصر الحديثة، وعبدالناصر وتحديده لاقامة الرئيس محمد نجيب، وأحكام قبضته على الاسلاميين وسجن قياداتهم ثم صراع السادات مع مراكز القوى واعتقاله لعدة وزراء، لكن الفارق هنا أن الصراع دائما كان بين الرئيس وقوى بالسلطة، المتغير اليوم هو أن الصراع والانقسام تجاوز دائرة الحكم إلي عمق الشارع نزل لعمق المجتمع حتى وأن كان ممتداً لقادة سياسيين.
الخطر الذى يواجه مصر كبير، وتشبث الرئيس بخندقه دون تقارب مع المعارضة يشعل البلاد، ورحيله بالقوة الشعبية، يعزل تيار الاسلام السياسى، وقد يدفعهم للعودة لموجة عنف جديدة أقوى من إرهاب التسعينيات، والحل فى وفاق وطنى يمنح القوى الوطنية أوزانها النسبية فى شراكة الحكم تحت ضغط التظاهرات أو يتدخل مؤسسات، ويضع خارطة وأجراءات فعلية لتحقيق أهداف الثورة من حرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية، وضمانات تداول حقيقى للسلطة تعكس إرادة الشعب دون تزوير مادى أو غير مباشر بتقسيم الدوائر وغير ذلك من أساليب، وطفرة فى مستويات المعيشة، تلك هى الإرادة الشعبية، التى ضحى من أجلها شهداء الثورة، لم تقم الثورة من أجل استبدال اشخاص بل لتغيير سياسات، فهل تعقلون لحماية وطن من أخطار الحكم والمعارضة بالداخل ومؤامرات الخارج، هل نستطيع تفويت الفرصة على من يخططون لحرق مصر؟! المسئولية مشتركة حفظ الله مصر.