
هناء فتحى
أهلا بابا نويل
وما الذى تنتظره الناس يا ساكن بلادنا الحزينة من السيد السعيد المتشح برداء «بابا نويل» سوى وعاء لجمع الدموع علها تكفى لإطفاء حرائقنا التى أشعلها هو فينا، أو علها تكفى لتروى وتداوى تشققات الروح، هذا لو أتانا «بابا نويل» نهاية العام.
السيد ذو الطرطور الأحمر لا يأتى لبلادنا ولا مرة نهاية كل عام، لكنه يزورنا طوال العام وبلا استئذان جامعا فى خرجه أحلامنا ليملأ بها خزائن بلاده المتخمة وجيوب صغاره الفرحانين.
وما الذى قد يمنحنا إياه «سانتاكلوز» أكثر مما منحنا إياه «أوباما نويل» لما فتح خرجه وجواله الملغوم منذ أيام مرسلا لأشباح وأطلال وبقايا الشعب الليبى رسالة تهنئة بمناسبة الذكرى الـ64 لعيد الاستقلال! كانت توافق 25-12 من كل عام! مذكراً إياهم بربيعه العربى الذى طيره لهم فى 2011.
أظن أن «أبا طرطور أحمر» سوف يخجل من نفسه لو أتانا هذا العام، أو ربما يخاف أن يموت معنا كما نموت نحن كل لحظة فى سوريا والعراق وفلسطين واليمن والصومال وكينيا.
ولا أظن أن أطفالنا القتلى والجرحى والمشوهين واللاجئين هم حقا فى انتظار الرجل؟ إنهم فى انتظار بلادهم، امنحوهم بلادهم، وليلزم «بابا نويل» بلاده.
هو عام الغضب والحزن والرمادة فاصمت يا «سعيد نويل» ولا تهنئنى ولا تفتح خرجك وتمنحنى موتا جديدا فبخزانتى هدايا وأكفان فائضة.
لست وحدك ولست وحدى، أعرف يقيناً أن كلانا مثقل بفنائه المباغت، كلانا متعب من وعورة المشوار .
حقاً ما أصعب البحث والتذكار وأنت تفتش فى حنايا وزوايا روحك القديمة تلك المنسية والبعيدة عن شىء ما كان مضويا بها؟ أو حتى وأنت تتجول فى زواياك القريبة والمرئية بحجرات قلبك الأربع كى تسائل نفسك فى نهاية العام - وأنت تفعل ذلك كل عام - عن لحظات الضى التى لونت لياليك، كم ليلة كانت؟ بل كم لحظة زايلتك وخايلتك وفرت؟
طوال عام وأنت فى غيطان العمر سارحا رابطا ذيل جلبابك الفضفاض، فارغا فى وسطك، جالساً - لست وحدك - كالآخرين على حافة أوراق الزهر منتظراً جنى الحصاد، تغرز قدميك الداميتين وتهزهما فى الحقول الممتدة المتشققة حتى آخر المدى، تفتح أجولتك كى تملأها، يتقوس ظهرك وأنت جالس هكذا - مع الجمع - تلتقط وتفرز وتنقى القتامة من السواد، تجمع لياليك فى ربطة جلبابك الواسع بنهاية كل عام؟ كى تقايض على محصولك الوافر ، وتجلس على عتبات الحلم كى تحصى ما جمعته كفاك، لكن كفاك كانتا قابضتين على الفراغ؟ تجمعان الريح الذى يصفر فى غيطانك ، وتنظر للسماء القاسية وتسائلها عن تلك الرؤى والفراغات الكبرى التى طاردتها أنت فالتهمها منك الطير الجارح بمنقاره؟ كيف يسمن الطير الجارح حين يقتات الفراغات؟ وهكذا رويداً رويداً سوف تتعلم مثلهم أن تعرف الماء بالماء وتعرف الظلام بالعتمة، والأحزان بالشجن، تبحث فى لياليك عن أكثرها سعادة! فتتعثر قدماك بالكراكيب، بالأفخاخ، لا شارع فى قلبك معبد كى تواصل الخطى فى اتجاه الدم المسافر وحده دونك، هو دمك الذى لا يريد ارتحالك إليه ومعه، كن وحدك إذن، وطل على قلبك من بعيد، فأنت لا تسكنه.