
هناء فتحى
ماجدة الصباحى.. مشهد صامت
ومازال فى قلبى متسع لوجع جديد، وكنت أظن المكان بات شاغراً تماماً عن آخره لكن السيدة «ماجدة الصباحى» تسللت إلّى بسهولة وجلست فى براحى الممدود وبكت وأبكتنى معها، ليتها ماتت وهى شامخة عزيزة قبل أن تبدو ضعيفة هكذا، حزينة هكذا.
قاسية جداً جاءت بدايات السنة، ابتدأت بالموت المباغت وكأنه ﻻ وقت لديها كى تنبئنا بعلاماته، كى نستعد له ونخرج ملابسنا ونمشى فى جنازاته، كم ليلة ستموت السيدة الشامخة القوية صاحبة العينين اللوزيتين والبشرة السمراء والصوت الأنثوى المتهدج «ماجدة»؟ أتخيل من الآن ليالى موتها الطويلة، ربما لن يمنح الوقت لحظاته الفريدة كى تغلق ابنتها «غادة» لها عيناها وتقبل وجنتهيا، وتبكى، ربما ستكون مشغولة بإحصاء كامل التركة، ربما لن تكون فى حاجة للحكم القضائى الذى استصدرته بالحجر على عقل والدتها المصاب بالعطب! بالزهايمر، السيدة المتقدة العقل التى أدارت منذ بداياتها شركة إنتاج سينمائى ضخمة، وعدة عقارات ومحال تجارية وسينما وغير ذلك، تصاب فى عقلها؟ قصة تحتاج «شكسبير» لو أفلح!
أسوأ نهاية درامية لفيلم بدأ واقعيا وتسجيليا جدا، هو آخر أفلام ماجدة الصباحى وأظنه الفيلم الوحيد الذى لم تنتجه شركتها العريقة.
نهاية ﻻ تتسق أبدا مع عنفوان وشقاوة بداياتها، لكنها نهاية ربما تتسق مع بعض تفاصيل حياتها فى السنوات الأخيرة، تفاصيل تشاركت مع ابنتها فيها، غادة نافع هى البطلة الأولى، ماجدة الصباحى كومبارس صامت.
هل كان سلفا ودينا؟
منذ عدة سنواتٍ وحينما كانت «ماجدة» ﻻ تزال فى عزها ومجدها و«جبروتها» وكامل قواها! ويقظتها - ﻻ حول ولا قوة إلا بالله - افتلعت غادة إيهاب نافع حكاية شبيهة وجرجرت أباها فى المحاكم، تذكرون؟ كان للحكاية وجهان: وجه تبنته ماجدة وغادة وادعتا أن إيهاب نافع طليق ماجدة ﻻ يقوم بمسئولياته تجاه ابنته أبدا وﻻ حتى مصاريف المدارس وملابس العيد، وجه آخر للحكاية حكاه إيهاب نافع للقاضى قائلا: إن زوج ابنته غادة – عراقى الجنسية - قام بالنصب عليه فى معاملات بنكية وتجارية، ساعتها جلبت ماجدة الصباحى قورطة محامين للدفاع عن زوج ابنتها وتأكيد رواية ابنتها وبخل وشح إيهاب نافع. وكسبت غادة نافع القضية القديمة ضد إيهاب، وكسبت غادة نافع برضه القضية الجديدة ضد ماجدة.
يقيناً لم تختر النجمة الكبيرة ماجدة الصباحى نهايتها تلك، لكنها يقيناً اختارت مسيرتها الأولى وجيشت كل الأدوات لإنجازها ألا وهى منافسة السيدة فاتن حمامة عرش السينما العربية ومن أجل ذلك أنتجت لنفسها عن طريق شركة أفلام ماجدة كل أفلامها، بل إنها أصرت على أن تقدم قصة حياة فاتن حمامة وعمر الشريف فى فيلم من بطولتها مع إيهاب نافع!، ﻻ، وأكثر من ذلك قامت ماجدة الصباحى بإخراج فيلم بنفسها لم يكمله المخرج لها، قدمت للسينما افلاما عظيمة وشاركت ببطولتها وبشركة إنتاجها أهم القضايا المصرية والعربية، كل هذا يدلل على أن تلك السيدة صاحبة هذا العقل المتقد الراجح الرابح الراسخ حينما ترفع ابنتها دعوى حجر عليه بحجة إصابته - عقل ماجدة - بالزهايمر ﻻ بد وأن نصاب نحن باﻷسى والألم.