
هناء فتحى
بحب «ريم بنا» وبكره إسرائيل
لو كنت تسألنى من هى «ريم بنا»؟ فأنت فى المصيدة، أو فى الحصار الذى ضربه حولها هؤلاء الثلاثة: الأنظمة العربية، أمراضها الكبرى، وإسرائيل.
فهى ليست فقط المطربة والملحنة والموزعة الفلسطينية صاحبة التجربة الغنائية المتفردة لحنا وصوتا وأداء، بل هى الصوت الحاصل من مجموع قطرات الندى المتساقط على حبات الزيتون وصدح آهات الشتات الحزينة، وصرخة المفاتيح الفلسطينية وهى تغلق بواباتها للمرة الأخيرة وترحل للغربة أو للموت، صوتها الآسر يلملم الخرائط العربية الممزقة، يستنفر المرتحلين والراحلين والغرباء والموتى المرصوصين علىٰ معابر البلاد القاسية.
فى المستشفى الذى ترقد به الآن ريم بنا ببرلين ألمانيا للعلاج من مضاعفات التهاب رئوى سبقه منذ عامين سرطان شرس، أخبروها فى ألمانيا بالمفاجأة: حين كانت تقوم منذ شهر بعمل فحوصات فى فلسطين المحتلة - حيث تعيش ريم فى الناصرة عاصمة الخليل - حيث الفحوصات لم تكن متوافرة إلا فى مستشفى «رامبام» الإسرائيلى فقط بـ «حيفا» القريبة من «الناصرة»، منحوها تقريرًا يفيد بأن الأشعة تقول إن الرئة سليمة، لكن صدفة ألقت بها فى مستشفى للصدر بألمانيا اكتشفت فيها أنها تعانى من مضاعفات التهاب رئوى وارتفاع فى الحجاب الحاجز وعدم وصول الأكسجين للدم، وانسداد وانتفاخات فى الأنسجة، وأشياء عدة لم تفقدها الأمل، ولا الألم، تقول ريم لعشاق صوتها: دربت قلبى ليصير حديقة ورد يشبه الورد الذى علىٰ شرفتى فى فلسطين والمطلة علىٰ «مرج بن عامر»، لهذا حين يصدر لها ألبوم غنائى بعنوان «مواسم البنفسج» نستمع لها صاغرين، ريم بنا التى تدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى المعاصرة وتغنى وتلحن كلمات المتصوفة، (قلبى يحدثنى أنك متلفى) هى أكثر الأغنيات التى يطالبها الجماهير العربية والأوروبية بغنائها، ثمة عذوبة نابعة من روحها وحنجرتها مع نغم آسر يشدو مع ابن الفارض حين تصدح: يا مانعى طيب المنام ومانحى ثوب السقام به، ووجدى الملتف عطفا علىٰ رمقى، وما أبقيت لى من جسمى المغنى، وقلبى المدنف، فالوجد باق، والوصال مماطلى، والصبر فان، واللقاء مسوف.
«ريم» ابنة الشاعرة الفلسطينية «زهرة صباغ» درست الموسيقى فى المعهد العالى للموسيقى بموسكو، تزوجت زميلها الاكرانى (ليونيد اليكوستانكو) وأنجبت 3 أبناء وعاشا فى الناصرة بفلسطين ثم تم الطلاق لتبدأ بعدها رحلة مرض قاسية مع هجوم سرطانى مفاجئ منذ عامين تراه «ريم» لا يختلف عن السرطان الإسرائيلى، فكلاهما احتلال، قاومت «ريم» سرطان جسدها وشفيت منه، ثم أصدرت ألبوماتها: «وحدها بتبقى القدس» و«صرخة من القدس» و«مرايا الروح»، وغيرها.
تعود ريم هذا الأسبوع إلى بيتها فى فلسطين، وتغنى بنفس الألق والحضور رغم حصار المرض وحصار العدو وحصار الأنظمة.