الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثقافة الرشوة والمادة 107 يا سيادة الرئيس

ثقافة الرشوة والمادة 107 يا سيادة الرئيس






شاء القدر أن أجد نفسى وجها لوجه مسئولا عن أشياء كثيرة؛ مالية وإدارية منذ عام 2009، كقيادة من قيادات وزارة الثقافة، حين قررت أن أترك التربية والتعليم - حالماً - لأجد وقتا للكتابة، ظننت أن الأمر ربما يكون متاحا فى وزارة الثقافة، خاصة حين بدأت كتابة السيناريو ونفذ التليفزيون المصرى لى مسلسلين للأطفال، فاز أحدهما - حكايات رمضان أبوصيام -  بالجائزة الذهبية لمهرجان الإذاعة والتليفزيون، قررت يومها أن أترك مهنة التدريس بكادرها الجديد، نصحنى بعض الأصدقاء فى قصور الثقافة أن أفكر، خاصة أن مرتب المدرس ساعتها بالكادر ومكافأة الامتحانات يساوى مرتب مدير عام بالثقافة، قلت لا ضير، أريد وقتا للكتابة والقراءة، كنت وقتها حديث إدارة باب الشعرية، لذا أراد عضو الرقابة الإدارية الموقر أن يعرف السبب الحقيقى لتركى التدريس، أعطيت له سيرة ذاتية معقولة عنى وعن أعمالى، كان  بها ما يزيد عن عشرين كتابا وعشر جوائز مصرية وعربية كنت قد فزت بها فى المسرح والقصة القصيرة والنقد وأدب الطفل، عروض مسرحية وتليفزيونية، حاول الرجل أن يقنع نفسه، كنت أرى فى عينيه التساؤل.. كيف تترك التدريس يا رجل؟ أكدت له أننى رفضت إعارة لعمان أيضا، هز رأسه مقتنعا برأسى الغريبة.
وجدت نفسى أمام البحر الملآن باللوائح والقوانين التى يجب أن أعرفها وأنفذها، كنت ما أخشى منه عدم معرفة قانون 89 الخاص بالمناقصات والممارسات وكيف أن ناقصى الضمير فى هذا البلد المسكين أهله يجيدون اللعب به  وبدأت فى قراءة كل القوانين؛ 47 و5 و63 و89 وعرفت أن هذه القوانين هى عصب الجهاز الإدارى للدولة ومنها المؤسسة التى أنتسب إليها الآن، سعدت جدا بهدية صديقى الكاتب الراحل قاسم مسعد عليوة - قانون 47 -  الذى نصحنى أن اقرأ القانون جيداً وبدأت قراءة كل القوانين بعناية كبيرة وكانت تلك القراءة حامية لى من مشاكل كثيرة وتوقفت كثيرا عند اللعب ببعض المواد فى قانون 89 ويجب أن نجد لها حلا، فمواد القانون فى الأغلب تطبق لصالح الشركات التى تضع يدها على مشاريع وتوريدات الوزارات والمؤسسات والهيئات، صممت فى قرارة نفسى أننى لن أقوم بطرح قالب طوب واحد لو صرت السلطة المختصة فى أى وقت وأننى سوف أسند الأعمال كافة لأجهزة الدولة المختصة طبقا للمادة 38؛ طالما أننى أستشعر لعباً ما، وبالطبع تواصلت مع جهاز الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية والإسكان ومجالس المدن والأبنية التعليمية لتنفيذ المشروعات درءا للشك، شعرت أننى وجدت ضالتى وأكد لى بعض المحبين أن عددا محترماً من قيادات الوزارة مثل الدكتور فوزى فهمى كان يفعل ذلك، فقررت أن استفيد من التجربة بعد أن فهمت اللعبة التى تتم داخل الأروقة!!.
 ويشاء القدر أن تهز الهيئة جريمة رشوة من إحدى الشركات لموظف عام بالهيئة، فذهبت لقراءة مواد جريمة الرشوة فى قانون العقوبات وأذهلتنى وأحزنتى كثيرا المادة 107مكرراً من القانون والتى تنص على أنه - يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها» وصعقت لأن هذه المادة بتلك الكيفية تفتح الباب على مصراعيه لزيادة الرشوة وليست للحد منها، لأن المادة أعطت للراشى والوسيط الفرصة للنجاة مرتين ؛ الأولى، حين يحاولان مع الموظف العام لرشوته وأخذ ما لا يستحق أو منع ما يستوجب فعله وإذا لم ترصد الجريمة من الأجهزة الرقابية، فحباً وكرامة ومصلحة والأمر يسير فى مصلحتيهما التى يود أن ينتزعاها بالمخالفة للقانون وإذا تم القبض عليهم جميعا، فالأمر بسيط وسهل وميسور جداً، فقط يعترف الراشى والوسيط اعترافاً تفصيلياً عن المرتشى أيام التحقيق وليس بعد أن تتحول القضية للمحكمة وهنا يخرج هذا الراشى الآثم من القضية مثل الشعرة من العجين وعشرات القضايا تم كذلك، والسؤال الآن كيف نترك أنفسنا للصدفة حيث تكتشف قضية فيعترف الراشى ويخرج سالماً ويحبس الموظف العام المرتشى؟ أليس الجميع ملعون كما قال الرسول الكريم: لعن الراشي والمرتشي والرائش، رواه أحمد والطبراني من حديث ثوبان رضي الله عنه.
  أرى أن استمرار هذه المادة بوضعها الحالى سبيل للفساد فى كل أجهزة الدولة وعلينا أن نراجعها إذا كنا نود أن نستأصل هذا الفساد من جذوره، لذا أرجو أن يراجع مجلس النواب المادة جيدا ويعدلها ولا يعفى أحدا من المسئولية الجنائية وأن يتدخل الرئيس لحسم الأمر إذا لزم الأمر وأعتقد أن تلك المادة تخالف الدستور المصرى الذى نص على أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع وأعتقد أن الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبد الله كان يرى المستقبل جيداً رغم رحيله منذ 14 قرناً لأنه لا ينطق عن الهوى ولم يره المشرع الذى أعفى الراشى والوسيط والذى انتشرت الرشوة أيامه وأيامنا.