
وائل لطفي
تفتيش حرب!
شرفت هذا العام بتلبية دعوة من القوات المسلحة المصرية للاحتفال بعيد النصر، كان ما أثلج صدرى أن الاحتفال كان وسط جنود الجيش الثانى الميدانى فى الإسماعيلية، وبالتحديد فى وادى الملاك، مقر اصطفاف قوات الجيش الثانى الميدانى.
كان الاحتفال بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وضيفه الرئيس السودانى عمر البشير.. وكان فى حضور الضيف السودانى (تفتيش حرب) يجريه القائد على جيشه معان كثيرة.
أعجبنى أكثر أن الاحتفال بنصر أكتوبر هذا العام لم يكن بالكلمات ولكن بالأفعال.
لم يكن تغنيا بأمجاد الماضى بقدر ما كان حديثا عن المستقبل، لم يكن عبر شعارات تردد، بقدر ما كان عبر حقائق نشاهدها على أرض الواقع ونراقبها وهى تطير فى سماء العرض.
من المنصة الصغيرة التى ضمت ضيوف الاحتفال تابعنا جميعا استعراضا لنماذج من السلاح المصرى.. من الأسلحة القديمة التى خاضت بها مصر حرب تحرير الأرض فى ٧٣، وحتى أحدث الأسلحة التى زودت بها القوات المسلحة رجالها ومقاتليها لتقول إن الرسالة مستمرة، وأن الأعين لا تزال مفتوحة، وأن الأيادى مازالت متوثبة ومستعدة كى تدوس على الزناد إن اعتدى معتد، أو تربص متربص.. أو تهور جار.. أو تطاول عدو.
فى سماء العرض طارت نماذج من الطائرات التى خاضت مصر ببعضها حرب التحرير، واستطاعت الأطقم الفنية للقوات المسلحة أن تحافظ على كفاءتها حتى الآن.
بعدها طارت نماذج أخرى من طائرات الأباتشى التى تطارد الإرهابيين فى سيناء الآن.. ونماذج أخرى أحدث.. ولعله مازال فى الجعبة الكثير.
على نفس المنوال كان هناك استعراض لأجيال من المركبات والدبابات.. والبرمائيات.. منذ تلك القديمة التى عبر الرجال بها قناة السويس وحتى تلك الأحدث التى قامت قواتنا المسلحة بتصنيعها.. أو اقتناء أحدثها حفاظا على الكفاءة واستمراراً للاستعداد.
تتالت نماذج مختلفة من الأسلحة من الطائرات والدبابات حتى معدات تجهيز الطعام.. والعيادات المتنقلة.. وفى الجو كان أبطال سلاح المظلات يقفزون من الطائرات بينما يحمل كل منهم فى مظلته علما لإحدى الدول العربية التى ساهمت بقوات رمزية وأسلحة ومتطوعين فى حرب التحرير.
كان ما يدعو للفخر فعلا أننا نحتفل بالنصر على نفس الرمال التى احتضنت أتون النيران.. ووسط المصريين من أحفاد الجنود والقادة الذين حرروا الأرض.. كنا نذكر الماضى وعيوننا تتطلع نحو المستقبل، ونفخر بالحاضر.. كانت الرسالة أن الذين صنعوا نصر أكتوبر مازالوا قادرين على أن يصنعوا نصرا آخر إذا استلزم الأمر، وأن مصر التى انتصرت فى الماضى بالعلم والتدريب والعمل، مازالت قادرة على أن تنتصر لأنها - وكما هو واضح للجميع - مازالت تحافظ على المفاتيح التى فتحت بها أبواب النصر.
وكما هو متوقع منه فقد طالب الرئيس فى بداية كلمته الحضور بأن يقفوا دقيقة حدادا على شهداء مصر.. وأكد أنه يقصد كل الشهداء.. وكان المعنى أن مصر وقواتها المسلحة المصرية مازالت تقدم الشهداء على نفس الأرض وإن اختلف مسمى العدو.
وأعتقد أن ديننا للشهداء كبير، بل وكبير جدا حتى إننى أطالب القوات المسلحة المصرية بأن تصدر كتيبا يضم أسماء وصور كل الشهداء الذين قدمتهم مصر فى حرب أكتوبر، وكتيبا آخر يضم أسماء الشهداء فى حرب تحرير مصر من الإرهاب، بل وأطالب بإطلاق موقع إلكترونى يضم صور وقصص شهداء الحربين معا.. بالإضافة لجهد علمى مطلوب لتوثيق قصص بطولات الجنود المصريين الذين ماتوا وهم يرفعون العلم ويهتفون باسم الوطن، فلولا استشهادهم ما عشنا، ولا أقل من أن نروى قصصهم لأجيال جديدة باعدت السنين بينهم وبين يوم الانتصار.