الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثقافة المماليك وموت السلطان

ثقافة المماليك وموت السلطان






من عجائب الأقدار أن تشهد مصر كما كبيرا من الغزاة الذين أتوا معهم بكم كبير من الخدم من كل أجناس الدنيا والذين لعبوا بعد ذلك أدوارا كبيرة فى الحكم والسياسة المصرية حتى أن دولة المماليك - العبيد /الخدم - قد حكمت مصر حوالى ثمانية قرون ويبدو أن ثقافة هؤلاء العبيد والخدم والشماشرجية قد أثرت فى بعض أعراق مصرية حتى باتت نراها جهارا نهارا فى حياتنا كل يوم منحنية الرأس والنفس ووضيعة القيمة أمام وهم لن يعطيها شيئا إلا الخسة والندامة .
    الحقيقية أننى شخصيا يسيطر على دائما مقولة الكاتب العظيم أبو بكر الطرطوشى فى كتابه سراج الملوك : «إذا احتجب السلطان فكأنه قد مات» وقد استفدت من تلك المقولة فى كتابة مسرحيتى «وداعا قرطبة» التى فازت بجائزة محمد تيمور للإبداع المسرحى وكنت حريصا ألا يسيطر على مكان أديره مدير مكتب أو سكرتيرة مهما أتت من علم وقدرة وفن وإخلاص وعمل دؤوب وكنت دائما على علم بما يدور حولى معتمدا أيضا على خبرة وفراسة ونوعيات تريد دائما أن تتبرع بإخبارك بكل شىء، فلم أتحول إلى سجين داخل مكتبى لا أعرف إلا الذى يريد لى مدير المكتب أو السكرتيرة أو السكرتير أن أعرفه.
و قد يصادف المسئول أثناء خدمته فى الوظيفة العامة شخصية تريد أن تمارس نفس الدور الذى مارسته بالطبع مع آخرين - لحجب السلطان - حتى صارت هى المدير أو الرئيس الفعلى بينما المسئول فى حجرته يطرقع أصابعه أو يتناول الوجبة الساخنة أو الباردة التى ُجهزت أو يقيس الملابس التى أحضرتها- السكرتيرة - له وينتشى بالاختيارات التى تعتقد -هى أو هو- أنها آخر لمسات الموضة والغريب أنها توحى له من خلال بعض عيونها من كبار بعض الموظفين أن تغيرا ما قد طرأ على أناقته والمدهش أنها مع اختراع وسائل الميديا الجديدة تستطيع أن تكون بعض الصفحات الوهمية على الفيس بوك أو تويتر لتشتم هذا الرئيس ثم تدافع عنه مدعية أدوار البطولة والشهامة وأنها صاحبة اللسان الزالف الذى يسب ويشتم والسيد الرئيس الهمام القابع وراء الأبواب يطرقع أصابعه ويفوض مهام منصبه الأمين عليه لآخرين متوهما أنه بعيد عن المساءلة القانونية أو الأدبية.
ومن سمات ثقافة هؤلاء الخدم انهم يكونون مع هذا المسئول منذ أن يصحو وحتى يضع رأسه على مخدة أحلامهم التى لا تنتهى ويصيرون هؤلاء الخدم والشماشرجية رؤساء كل المنبطحين من أشباه الرجال المنتظرين عطف هذا الخادم الضئيل أوهذه الخادمة ويضحون بأشياء كثيرة من أجل كرسى فى الحقيقة بلا قيمة حقيقية ولا يعطيهم أية ميزة بعد فشلهم والغريب أن بعضا منهم كان له تجربة كانت من الممكن أن تكون شيئا ذا بال ولكنه يبحث عن تعويض الفشل الذى أصابه بأشياء يراها تضعه فى صداره المشهد ويالته هذا الخادم أو هذه الخادمة أن تسمع رأى الكبار فيه حين كان يؤدى عمله فقط أو كانت متسقة مع نفسها ستفرح كثيرا وياليتها تسمع ذلك الآن، سوف تتمنى أن تعود مرة أخرى للوضع الأول دون سلطة زائفة، والغريب أن هؤلاء الخدم يعرفون كل نقاط الضعف لدى القابع خلف مكتبه يتئاءب ولا يجيد إلا التآمر، فحين يطل برأسه يذكرونه بضعفه ويحضرون له ما يريد مما يذهب العقل ويفتشون فى تاريخه حين كان صغيرا يأخذه الهوى ويميل ميلا عظيما ويود أن يسلى نفسه فى الفندق الفاخر أو النصف فاخر فى مدننا التاريخية أو الساحلية ويوقظون له النائم والناسى من الشهود غير العدول والمدهش أن لهؤلاء المماليك ثقافة أساسية ينتهجونها فى التخلص من الأقوى والأجدر والأصلح ولا ينتجون إلا الأقل والأدنى والأقزم، فمتى يرحل هؤلاء الخدم والأقزام والشمشارجية وعواجيز الفرح عن بلادنا ويذهبون إلى غير رجعة مع المماليك؟!