السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السودان بين «عصا» البشير و «عصيان» مدنى

السودان بين «عصا» البشير و «عصيان» مدنى






الذى يحيرنى حقاً فى الشأن السودانى الراهن ليس حقيقة وصدقية ما يجرى فى البلاد قبل وبعد 3 أيام من عصيان مدنى دعت إليه قوى مدنية وتقدمية وديمقراطية وتمت الاستجابة له، لا ليس هذا ما يحيرنى.
فالسودان يعيش منذ 2011 فى حالات متكررة من العصيان المدنى، لكن الذى يشغلنى هو هذا التجاهل الأممى الظاهر للعيان والصمت المطبق والمضروب بحنكة بالغة تجاه ما جرى فى الـ 9 أيام الأخيرة بالبلاد، خاصةً من جهتين لم تعتادا الصمت فى أمر مثل هذا قد مر من قبل بكل دول الجوار.. صمت كل من الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن، فقد كانا يهتمان بمثل هذهِ الشئون فى بلاد عربية عدة منذ نهاية 2010 فى تونس وبداية 2011 فى مصر ثم ليبيا وسوريا واليمن، ولم يصمتا حتى بعد أن انهار ثلاثة ارباع الوطن العربى، أين يكمن السر هنا؟  فى القوى العالمية التى بدأ يرتج توازنها وحساباتها أولوياتها؟ أم فى السودان وجغرافيته السياسية؟ أم فى «البشير» نفسه بشحمه ولحمه وعصاه التى يرقص بها فرحا؟
والذى سيحيرك معى فى هذا الصمت الدولى المفاجئ أنه يحدث لأول مرة، لأن الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن كان لهما صوت عال صارخ تجاه البشير والسودان فى 2011 ولم يصمتا إلا بعد أن قسم لهما البشير سودانه إلى قسمين: شمالى وجنوبى، فمنحوه حكم السودان الشمالى وفقدت «سودانه»80%من ثرواتها ومعادنها، وتركوه حيا ولم يعبثوا بحياته كالقذافى ولم يخلعوه كمبارك، حتى الجميل الوسيم الفنان العالمى الحقوقى «جورج كلونى» لم تبارك قدماه الطيبتان الطاهرتان التراب السودانى هذهِ المرة بعد أن ترك هوليود وصار مقيماً بالبلاد يبكى فيها حقوق الإنسان والحيوان فى 2011، حتى السيدة زوجته أمل كلونى! المحامية المدافعة عن حقوق الليبيين والسوريين لم تشغلها أمور مهمة سياسية واقتصادية تجرى بالبلد أدمت فقراءه ومرضاه فخرجوا استجابة لعصيان شامل 28 نوفمبر الماضى بل وقرروا أن يستكملوا مرحلة جديدة من العصيان تكون أكثر تنظيما وفاعلية فى 19 يناير المقبل.
أما الذى سوف يحيرنى ويحيرك معى أكثر وأكثر أن هذا الصمت الدولى ليس نتيجةً لعجز الدول الكبرى فى الكلام - معندهمش عاهة فجائية فى النطق نتيجة خضة من الضلمة والليل البهيم، لا خالص - ولا لأن البشير قوى وماسك عليهم ذلة ومذلة، لأ برضه، لكن ما سوف يحيرك هو أن البشير مطلوب فى المحكمة الجنائية الدولية منذ 4 مارس 2009 وللان يواجه 7 تهم منها القتل والإبادة والسرقة والتعذيب والاغتصاب والنقل القسرى، وهو شبه معتقل فى بلاده لا يستطيع أن يبرحها خوفاً من اعتقاله. يعنى لم يكن السودانيون فى حاجة لعصيان وتظاهر واعتقال وقتل واختفاء قسرى، كل ما كان عليهم فقط أن يحاصروه ويقبضوا عليه ويسلموه للجنائية الدولية كمتهم وتوتة توتة خلصت الحدوتة، يعنى أسهل من اللى حصل فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن!! ولو أراد زعماء العالم الأول الحر أن يقبضوا عليه ولو فى بروج مشيدة لفعلوا!؟
ورغم ذلك ليس هذا ما يحيرنى - ومطير النوم من عينى - بل ما شغل بالى وأغاظنى بشكل شخصى هو موقف الصحف والمجلات الأمريكية والأوروبية جميعها وبلا استثناء، فلم تنشر صحيفة واحدة خبرا أو صورةً من الشارع السودانى ولا من قصر الحكم، إيه ده بقى؟ راجع هذهِ المطبوعات الصادرة فى الأسبوعين الماضيين: The Telegraph ،The Independent،Time،The) Wall Street Journal،News Week،The Guardian) لكنك يقيناً أنت تعرف أن دعوة للعصيان المدنى بالسودان تم إطلاقها يوم 28 نوفمبر بعد أن قامت الحكومة بسلسلة من الإجراءات كتحرير سعر صرف الدولار ورفع الدعم عن البنزين ورفع سعر الدواء، وعليه فقد قامت الحكومة السودانية فى اليوم الثانى من العصيان بحملة اعتقالات لأعضاء فى حزب المؤتمر وبعض الصيادلة والناشطين، وبينما أنهى العصيان فعاليات يومه الثالث استمرت النسوة الناشطات فى إضرابهن عن الطعام، هذا بينما أعلن الرئيس السودانى عمر حسن البشير أن الإضراب كان فاشلا 100 % .