الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المرأة فى محاكمة حسن هند

المرأة فى محاكمة حسن هند






تمر الرواية المصرية خاصة والعربية عامة بحالة ازدهار كبير، من حيث الكم والكيف، ومما يسعد النفس فعلا اتجاه بعض وسائل أخرى للفن  لتعاطيها والتعامل معها فنيا مثل السينما وبعض المسلسلات والإعداد المسرحى، وقد يقلق أحيانا هذا الازدهار والانتشار مع تردى بعض المستوى الفنى لبعض الأعمال التى وزعت كثيرا وأخذت شهرة كبيرة نظرا لرواج البيع  وهذا أشد ما يقلق، فتسويق الرواية متوجه الآن لقطاع كبير من الشباب وصار قراءة الروايات للبنت أو للولد فى مستوى الشباب فى الجامعات والأندية نوعا من الوجاهة الثقافية ورغم تلك السطحية التى تنطلق منها إلا أن الأمر يتحول إلى اقتناع بعد ذلك بأهمية الرواية بصفة خاصة والرواية بصفة عامة  وتلك ظاهرة فى تصورى مهمة يجب رصدها وتحليلها وقد تعرضت لها فى بيتى من قبل ابنتى رؤى بنت الثانوية والتى طلبت رواية مشورة بين الشباب فاشتريت لها ومعها رواية العجوزان لجار النبى الحلو ورواية كتيبة سوداء لمحمد المنسى قنديل وقلت لها بعد القراءة، ما الفرق بين الروايات الثلاث، قالت ببساطة أنا أستطيع أن أكتب مثل الرواية المشهورة وابتسمت حالمة بالشهرة  ولا أستطيع أن أكتب العجوزان أو كتيبة سوداء فابتسمت وتركتها تعيد القراءة لعلها تكتشف شيئا آخر يضيف لها.
و من الروايات الأخيرة التى استمتعت بقراءتها رواية «محاكمة تنكرية» للروائى حسن هند الذى يعتبر واحدا من الروائيين  المصريين الذين لا تعرف رؤى أن تكتب رواية مثل روايته فى حداثة سنها، لأنه ببساطة روائى حقيقى  ويعرف شروط الكتابة الفنية جيدا ويركز فى منطقة خاصة - به- جدا، ويمتلك خبرة لا يعرفها إلا هو، وهى المنطقة القانونية المتفرد فيها ولا يكتب إلا عن الذى يعرفه جيدا، ومما يقابله فى الواقع المعايش أو الواقع العملى، لذا تأتى أعماله دائما متميزة بكثير من الصدق الفنى الذى يسيطر على أغلبها؛ وجدنا ذلك فى رواياته الثلاث التى صدرت على فترات ليست قريبة وهى عناقيد الروح ورخصة بغاء ومحاكمة تنكرية التى صدرت أخيرا عن دار النسيم.
وتعتبر المرأة فى الرواية عند حسن هند هى كلمة السر التى شدت القارئ وأخذته إلى مشارف النهاية  وتعددت صورتها؛ سنجد المرأة المصرية وذات الأصول الأجنبية، سنجد المرأة الراقية والمثقفة والشعبية والخادمة والطالبة والموظفة والسكرتيرة والراشية والداعرة والمحترمة جدا، والجدير أن كل فصل كان يحمل اكتشافا جديدا لعلاقة المرأة بالرجل أو المرأة بالمرأة.
وارتبطت كل الشخصيات النسائية بشخصيتين هما؛ الدكتور عبد المنعم المثقف اليسارى والجامعى الكبير الذى حارب الفساد فى جامعته ومؤسسته وصار مثل دونكيخوته الذى يحارب طواحين الهواء، لذا بدءوا يحاربونه ويدور فى دائرة مفرغة طوال الرواية ويعانى حتى من أقرب شخصية نسائية له وهى شخصية سوزان محمد التى انفصلت عنه لهواجس أو حقائق تريدها. والشخصية  الذكورية الثانية التى تشكلت حولها حلقة ثانية من النساء هى شخصية المهندس رشاد صاحب الشركات المتعددة الجنسيات والذى يعرف طريقه جيدا نحو تحقيق هدفه الذى يود أن يحققه من الثراء والسيطرة على استثمارات المنطقة من معادن وشركات كبرى لها فى كل مكان رجال يستطيعون أن ينجزوا ما يشاء بالطرق المشروعة وغير المشروعة كافة.
وتبدأ حلقة الدكتور عبدالمنعم بشخصية سوزان محمد ذات الأصول الراقية والتى تمتد إلى ما قبل الملك فاروق والتى كانت ترى أن الرجال مثل الأحذية وذلك ردا على الدكتورة النفسية التى كانت تتعالج عندها والتى كانت ترى أن الرجال مثل الجوارب، كانت سوزان محمد تتصور أن زوجها الدكتور عبد المنعم يأخذها للدور الثانى لكى يصورها عارية، فكانت تحتاط حتى تدخل تحت الغطاء فتقول ص 29: «كنت أخلع ملابسى بخوف، أضع يدى على صدرى ولا أدعه يفلت منى وأنزلق تحت اللحاف الفيبر فلا يظهر من جسدى شىء» وأعتقد أن تلك المسألة هى النقطة الفاصلة فى العلاقة التى توترت بين سوزان محمد والدكتور عبد المنعم  وبدأت تأخذ أبعادا أخرى  وتؤثر عليها وتعانى من فصام مزمن، فكانت تتصور أشياء وتكررها عدة مرات لكى تصدق أنها حدثت فى الحقيقة  وكانت تستخدم معها الدكتور نهى كل وسائل العلاج وشجعتها أن تلتحق بناد  لتعليم الرقص الشرقى وتحاول أن ترفع معنوياتها حين تقول لها «ليتنى رجلا» وبدأت علاقة سوزان محمد بأم إبراهيم/ سلمى حين أخذتها لحارتها لمشاهدة الرقص الشرقى ووصلت العلاقة بينها حتى صارت علاقة شاذة وتعددت علاقاته الشرعية وغير الشرعية بعدد من النساء مثل مى جبريل الشخصية الفلسطينية المثقفة القوية التى تنتمى إلى أبناء كنعان، والمثقفة وعاشقة الشعر وخاصة الشعر الصوفى الذى يعوضها عن الحب وخاصة الحلاج وعمر بن الفارض ومحمود درويش، وعرف أمل البدرى المثقفة بنت الأكرمين التى  كانت تحب جدا والدها لدرجة العشق، وولاء محمد امرأة الفيس التى تزوجت مرتين والتى كان يتواصل معها.
وتعددت شخصية رشاد بعدد من النساء اللائى كان يستخدمهن داخل الرواية، كل واحدة حسب دورها المخصص له من قبل الروائى مثل استيفانيا وإيفا السكرتيرة ونهى فاروق موظفة الضرائب وسماح زميلته السمراء التى كانت أفضلهم بالطبع .
وختاما، حشد الروائى حسن هند الرواية بعدد من النساء اللائى قمن بأدوار مختلفة من أجل أن يصل لرسالة محددة موجودة داخل روايته أن الفساد وصل للرقاب وليس للركب كما كان يقول زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، فهل من مجيب؟!!