
هناء فتحى
«1984» فى أمريكا.. ليه؟
هل نستطيع أن نفهم شيئاً مما حدث صباح يوم 8 فبراير الحالى فى سان فرانسيسكو؟
حين يتسابق عدد لا بأس به من الشعب الأمريكى فجأة - وكأنها صحوة النائم- ليقف فى طابور طويل ممتد أمام مكتبة توزع مجانا رواية «1984»، الرواية الإنجليزية - الأشهر عالمياً والتى تتناول سيرة حاكم طاغية مستبد يشبه كثيرا حكام العالم الثالث - للكاتب «جورج اورويل»، هذا الشعب الذى لم يكن يرى رؤساءه ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين سوى رمزاً للعدل، سوبر هيرو، هذا الشعب الذى يقيناً لم يسمع عن هذهِ الرواية من قبل لانها رواية تشتهر فى البلاد التى يحدث بها ثورات أو اضطرابات، فما الذى جرى لهذا الشعب المرفه اللى مشترى دماغه والذى -كنا نعتقد خطأ - أنه لا يقف إلا فى طوابير الهامبورجر والباباى؟ هى فى النهاية رواية لم يكن يقرؤها غالباً إلا شعوب العالم المقهور! الرواية التى أصبحت فجأة ثالث أكبر الروايات مبيعا داخل أمريكا.
وكانت صحيفة «Los Angeles Times» قد نشرت خبراً مفاجئاً لقرائها أن مكتبة بـ «سان فرانسيسكو» قررت منح نسخ مجانية من رواية جورج اورويل «1984» لمن يأتى أولاً لمكتبة «Book Smith» فى حى هايت آشورى، ليس هذا فقط، بل إن صاحب المكتبة قد طبع منها يوم الاثنين الماضى 75 ألف نسخة وقرر أن يتبرع بكل أرباحها لمؤسسة الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية، وأن المتجر بصدد إصدار رواية جديدة لسلمان رشدى تضم بين دفتيها شخصيات بارزة منها أوباما وترامب، رواية ضدّ السياسة الأمريكية المعاصرة.
ليس هذا هو الخبر...
لكن أهم ما جاء فى الخبر يقول إن هذهِ الرواية قد شهدت ارتفاعاً فى مبيعاتها بالولايات المتحدة الأمريكية أواخر يناير الماضى، فوراً ومباشرةً بعد استخدام أحد مستشارى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عبارة شهيرة وردت بالرواية، عبارة: «حقائق بديلة»، وهى عبارة كان قد استخدمها جوقة الطاغية بالنص الأدبى ضمن عبارات أخرى كثيرة مثل «التفكير المزدوج» و«اللغة المخادعة»، وهى مصطلحات قد استخدمت فى الرواية لتضليل الشعوب وللسيطرة عليهم، وكان مستشار ترامب قد استخدمها هو الآخر للدفاع عن قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة التى تواجه رفضا شعبياً متزايداً اثناء استضافته بالبرنامج التليفزيونى: واجه الصحافة، فإذ بالشعب الأمريكى يلتقطها ويقول له: كش ترامب، لقد قرأ الأمريكان الرواية دون أن ندرى نحنُ شعوب العالم الثالث.
إيه حكاية الرواية بقى؟
هى الرواية التى يصنع منها التاريخ أحداثه، وليس العكس! الرواية التى صدرت عام 1984 متنبئة عما سيحدث فى العالم عام 1984، وقد تحقق الكثير من أحداثها الكبرى، وصار العالم شغوفا فى انتظار أن تتحقق نهايتها التى لم تحدث بعد.
تدور الرواية فى المستقبل، خيال سياسى، حول مجتمع شمولى يخضع لديكتاتور يبنى سلطته علىٰ القمع والكبت والإقصاء والاعتقالات وتزوير وقائع التاريخ المرئى المعاش باسم الدفاع عن الوطن، والوطن فى الرواية صار الشعب فيه يتجسس بعضه علىٰ بعض لصالح سلطة الحاكم الأوحد المسمى فى العمل الأدبى بـ «الأخ الأكبر».
وكان جورج أورويل قد استوحى أحداث عمله من الاتحاد السوفيتى وقت الحرب فى بريطانيا العظمى، متخيلا حكم نظام شمولى يحكم بلاده الإنجليزية.
أهم العبارات التى وردت فى الرواية هى: «المرءُ لا يقيم حكماً استبداديا لحماية الثورة، وإنما يشعل الثورة لإقامة حكم استبدادى».