الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التأويل سر «أساطير رجل الثلاثاء»

التأويل سر «أساطير رجل الثلاثاء»






الرواية نداهة كبرى خطفت الكثيرين، خاصة بعد فوز نجيب محفوظ عام 88 بجائزة نوبل ودعوة الكبار أننا صرنا فى زمن الرواية، صار ذلك واقعا لا تكذبه أرقام الروايات الصادرة فى كل الدول العربية، لم يعد للقصة القصيرة تواجد كبير رغم أن ديمومة الحياة العادية والفنية تؤكد أن فن القصة القصيرة كان يجب أن يسود نظرا لإيقاع الحياة السريع، وقلة مساحة النشر وانتشار الجرائد السيارة كالوباء المنتشر، ولكنها لم تهتم بأى أدب قدر اهتمامها بالسياسة والفضائح والتجاوزات فى كل شيء، وساعد على انتشار الرواية فى هذا الزمن أن أصحاب دور النشر الخاصة كونوا جيلا ربى على قراءة الرواية فى الطبقات الاجتماعية الأكثر ثراء وطلبة الجامعات، وبالطبع كانت تلك النداهة التى خطفت الكثيرين من الأدباء للكتابة فى محرابها والجميل أنها جذبت عددا من الشعراء المجيدين منهم: صبحى موسى وسهير المصادفة وهشام علوان وشحاتة العريان وسمير درويش ومختار عيسى ونشأت المصرى وأحمد فضل شبلول وأحمد الجناينى وعلى عطا وآخرون.
وآخر الروايات الجيدة التى قرأتها رواية صبحى موسى «أساطير رجل الثلاثاء» الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وأخيرا عن المصرية اللبنانية فى طبعة ثانية فيما يقرب400 صفحة من القطع المتوسط، وصدر للروائى الشاعر صبحى موسى من قبل روايات «حمامة بيضاء»، و«الموريسكى الأخير» و«نقطة نظام» وإعادة طبع «أساطير رجل الثلاثاء» وهى الرواية التى فازت بجائزة معرض الكتاب، وقارئ الرواية يجد أن موسى أحتشد لها وبذل مجهودا كبيرا قبل كتابتها، وعاد إلى الكثير من الكتب التراثية والتاريخية كى يستطيع أن يضع يديه على الكثير من المسائل والموضوعات الشائكة التى تحتاج بالطبع إلى تأصيل وقراءة متأنية، ولم لا ؟ والرواية تتعامل مع فكرة الخلاف منذ اللحظة الأولى فى بداية الدولة الإسلامية، هذا الخلاف الذى قام على فكرة التأويل التى صادفت هوى كل من يريد أن يقول شيئا من أجل مصلحته ودعم قضيته وطرح وجهة نظره وفرض سطوته وآراءه على رؤوس الجميع بصرف النظر عن اتساق ذلك مع صحيح الدين أم لا، هى الغاية التى تبرر أحيانا الوسيلة التى تريدها أصحاب التيارات الدينية السياسية فى كل زمان ومكان. إسلامية كانت أو حتى مسيحية، فما الحملات الصليبية أيضا إلا نوعا من المسيحية السياسية التى استخدمت الصليب ستارا لاحتلال الشرق، لذا واجهها الكثير من مسيحيى الشرق.
فكرة التأويل هى التى أخذت كل طرف إلى الجانب الذى يريده ومن هنا كان التحذير أن القاضى على شفير جهنم وأن المفتى عمله ليس سهلا ومن قال لا أعلم فقد أفتى وأن التصدى للفتوى له شروط وليس كل من قرأ كتابا يستطيع أن يفتى كما يشاء وسر هذه الرواية فى تلك الكلمة، وهى التى فتحت باب الرحمة وكان يجب ألا تفتح أبوابا غيره، لكن البعض استخدم هذا الهامش من الاختلاف الذى يجب أن يكون رحمة لمنافع أخرى خاصة به، هذا الهامش هو الذى أفرز الخوارج والمذاهب والفرق المختلفة وهو الذى جعل معاوية ابن أبى سفيان يقول أن من قتل عمار ابن ياسر من أخرجه للقتال رغم أن الرسول الكريم أكد فى حديثه أن الفئة الباغية سوف تقتله ! لكن لكل رجل تفسيره وتأويله الخاص به.
وتتناول الرواية واحدة من حركات الإسلام السياسى الجهادى فى القرن العشرين، وكيفية بناء تنظيم القاعدة الذى بدأ على يد الفتى الثرى المدلل أسامة بن لادن الذى ترك حياة القصور والترف والنعيم إلى حياة التقشف والجبال والمطاردة فى كل بقاع العالم، وهى قصة الأسطورة التى شكلها صبحى موسى لإنسان حركته الرغبة فى الجهاد ضد المستعمر الروسى الذى أحتل عددا من الدول الإسلامية حيث نكل بأهلها فى البداية، وأراد أن يستولى على خيراتها فأعطى ذلك العذر والمبرر لهؤلاء الجهاديين أن يحاربوا روسيا فى جبال أفغانستان بعد ضربهم بكل أنواع الأسلحة المباحة وغير المباحة دوليا.. وكان ذلك سببا قويا لوجود تلك الحركات لكن الأمر تتطور بعد ذلك إلى أن يكون الجهاد ضد كل شيء، ضد الدول وضد الأفراد أيضا وضد الأفكار وضد المختلفين معهم رغم أن النص منعنهم من قتالهم طالما أنهم لم يعتدوا عليهم، ولم يخرجوهم من ديارهم ودعاهم إلى برهم والعدل معهم، لكن التأويل الخاطئ يطل برأسه ثانية وبدأت الرواية فى التأصيل لذلك من خلال قصة عبدالرحمن الذى يرمز لبطل الرواية بن لادن والصباحى الذى يرمز للظواهرى وقد يجد البعض أن عدم التصريح المباشر للأسماء الحقيقية قد يعطى ثراء للروائي، ويمكنه من بناء أسطورته الخاصة بكل شخصية كما يشاء دون أن يمكن أحدا منه، وقد يساعده فى بناء الرؤية الكلية للرواية والفكرة التى يريد أن يطرحها فى حرية كبيرة تحتاجها الأعمال الأدبية حتما، ولكن ذلك حرم الرواية من فكرة التوثيق الذى ربما تحتاج إليها البشرية أكثر من مجرد الرواية الخيالية فى لحظات كثيرة، لكن هواجس الكاتب ورؤيته الفنية جديرة بالاحترام فى تلك المرحلة على الأقل.
أعتقد أن الطريقة الفنية التى سلكها الروائى صبحى موسى مناسبة تماما لأسباب كثيرة أهمها الحرية الفنية التى ساعدته فى بناء شخصية روائية ترضى غروره الفنى ولها أبعادها التى ربما لا توجد فى واقع الشخصية الحقيقية والتى لا تعطى الكاتب سماحة لفعل ذلك إلا بعد أن يمر عليها وقت طويل وتصير من سكان التاريخ البعيد.
ويبقى العنوان الذى أشار مباشرة إلى أسامة بن لادن حين أكد العنوان على رجل الثلاثاء ورجل الثلاثاء معروف أنه بن لادن لأن انفجار البرجين تم يوم الثلاثاء فى الحادى عشر من سبتمبر وإشارة العنوان لرجل الثلاثاء يعطى دلالة محددة أن من قام بالتفجير هو تنظيم القاعدة فقط، ربما يكون التنظيم هو المنفذ ولكن دول كبرى فى تصورى وراء ذلك وإن كان خيال الرواية قد أشار إلى ذلك ولكننى لا أستبعد ذلك فى الواقع، لذا أرى أن العنوان فى الحقيقة إدانة مباشرة لأسامة بن لادن والقاعدة، ويبقى السؤال المهم جدا: لماذا اختفى يهود أمريكا من البرجين قبل أيام من التفجير، فمن أبلغهم بذلك؟