
هناء فتحى
وطن فاضى للإيجار
من يفسر لنا حقيقة هذا السيل الجارف من الإعلانات التى شيرتها سفارات بعض الدول الأوروبية والتى انتشرت مؤخراً علىٰ مواقع الإنترنت ومواقع القنوات التليفزيونية والصحف الكبرى تطلب مواطنين عربًا بأجر مجز للعيش والعمل والإقامة الكريمة فى أراضيها، أراضيها التى هى الحلم والجنة لكل عربى، الإعلانات التى لاقت سعيا وقبولا وإقبالاً كاسحا مما تبقى حيا من الشباب العربى الذين لم يموتوا بعد فى بلادهم ولم يلقوا حتفهم فى البحار رغبة فى الوصول لتلك البلاد التى هلك الكثيرون كىّ يصلوا إليها وماوصلوا!
وما توقعت يوماً جنونا أكبر من هذا: أن تطلب بعض دول أوروبا وبعض ولايات أمريكا الشمالية والتى يحارب يمينها المتطرف وجود العرب على أراضيها، بل إن رئيس الولايات المتحدة الجديد صار يفرض حظرا بعد حظر لمنع دخولنا إلى جنة أراضيه! فما الذى دعا هذهِ الدول لتكتب هذا الإعلان والذى عنونته الصحف هكذا: (فرصة لا تعوض 7 دول حول العالم تدفع لك مقابل العيش فى أراضيها).
من يومها وسيل الطلبات المقدمة من ملايين الشباب الذين صاروا يتخندقون حول قنصليات وسفارات «أمريكا» و«كندا» و«إسبانيا» و«السويد» و«هولندا» ومدينة أخرى جديدة أوروبية تقع مابين كرواتيا وصربيا تم استحداثها هذهِ الأيام اسمها «ليبرلاند».
لم يحدث هذا النزوح الإفريقى الآسيوى نحو الشمال بهذا الكم خاصةً بعد الربيع العربى الذى وضع العربى فى اختيارات عدة للموت قهرا أو فقرا أو ذلا أو حرباً أو اعتقالا أو اختفاء قسرياً أو غرقاً.. ثمّ فجأة لوحت لهم قوارب النجاة بإعلانات لا نعرف مدى جدتها فى إنقاذ الذين مازالوا علىٰ قيد الحياةِ فى بلادنا.. وكأننا صعبنا عليهم يا عينى!
■ عدة حقائق حول هذا الموضوع:
1 - كانت كندا من بين الدول التى سارعت فى فتح أراضيها للمهاجرين خاصةً أولئك الذين طردهم ترامب من أمريكا.. كان رئيس وزرائها الشاب ترودو صادقا فى احتواء ما تبقى من أرواح مواطنينا.. لكن فى المقابل عليك أن تقرأ معى هذا الخبر الذى بثته قناة فرنسا 24 الأسبوع الماضى: إن السكان الأصليين فى كندا يعانون من واقع مؤلم: الفقر والبطالة والانتحااااار - ركز معايا فى الانتحار - والاختفاء القسرى - يعنى تهرب منه هنا تلاقيه هناك يا ابن آدم - وأعمال عنف - شرحه برضه.. بل إن ترودو قد وصف ما يحدث فى بلاده بأنه إبادة ثقافية.
2 - أصبحت ليبيا الآن هى المركز الأول فى انطلاق المهاجرين عبر أراضيها التى تفككت وصارت نتفا وقطعا من أراض كان اسمها ليبيا وكان يحكمها الزعيم معمر القذافى قبل أن يقتله رؤساء وزعماء فرنسا وإيطاليا وبعض الحكام العرب.. لذا فقد صار من الاعتيادى والمألوف أن نرى يومياً الجثث العربية ملقاة علىٰ شواطئ القربولى ومصراتة وزلتين.. لهذا باتت تصرخ المنظمة العالمية للهجرة بأن من ماتوا من أهالينا فى 2015 يبلغ 30 ضعفا لمن ماتوا فى 2014.. طبعاً هذا يعود للحرب القذرة من دول أوروبا وإسرائيل علىٰ سوريا بمساعدة بعض الدول العربية.
3 - ستلاحظ معى أن مكاسب تجار الهجرة صارت تفوق مكاسب تجار السلاح والمخدرات والدعارة والآثار.. عصابات الهجرة الدولية التى تعمل تحت بصر ورعاية الغرب.. وبالرغم من ذلك فقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 5800 مهاجر حول العالم قد ماتوا علىٰ أعتاب أوروبا فى 2015، وأن 13 مهاجرا ماتوا كل ليلة فى 2016.. وأنه تعذر الوصول إلى 60٪ من الموتى الذين تغذى عليهم أسماك البحر.. كما أعلنت المفوضية العامة للاجئين أن عام 2016 هو العام الأكثر دموية فى عدد الموتى بقوارب البحر.
4 - أطرف ما جاء فى إعلان دولة ليبرلاند لطلب مهاجرين إلى أراضيها هو (هجرة مجانية.. وديمقراطية بلا حدود). هذهِ الدولة التى تم تأسيسها فى إبريل الماضى تقدم لك الديمقراطية مجانًا!
أما مدينة «موردن» الكندية والتى يبلغ عدد سكانها 9000 نسمة وتطلب مواطنين عربًا للإقامة فى أراضيها الرحبة، وهى فى ذات الوقت لا تطلب إجادة تامة للغة الإنجليزية، وتطلب مواطنين عاديين خالص خالص، خياطين وميكانيكيين.. وبتوع كاوتشات سيارات.. وكمان طباخين.. والله العظيم أنا أستاذة فى الطبيخ، طيب وليه لأ؟