السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«أطفال النيل» يبحثون عن القمر فى «قومى الطفل»

«أطفال النيل» يبحثون عن القمر فى «قومى الطفل»






ماذا يحدث حين يغيب القمر عن مصر، ويرسل رسائل مشفرة منه لأبناء هذا البلد؟ ووسط حالة من الدهشة والغرابة يقرأ الناس الرسائل، ولم يستطع أحد أن يصل لمعناها من أول وهلة، ويحتار الجميع، ويبدأ عالم المستقبل، د. مصباح عادل الكومى، فى محاولة منه لاكتشاف الأسباب الحقيقية لهذا الاختفاء العجيب من القمر، ويبدأ الجميع محاولة البحث الحثيثة لمعرفة السر الذى أدى إلى توتر الناس، كانت تلك هى الفكرة الأساسية  لعرض «أنت فين يا قمر»، تأليف حازم عرب وإخراج حسن سعد، والذى تقدمه فرقة المسرح القومى للأطفال بمسرح  عبد المنعم مدبولى «متروبول» سابقا، وأشعار محمد الشاعر، وألحان وتوزيع باسم عبد العزيز، واستعراضات شريف راضى، وماسكات مجدى ونس، ديكور وملابس د أحمد شوقى.
وتبدأ المسرحية بطرح هذا السؤال المهم الذى يأخذ بعقل الطفل من خلال د.مصباح الذى يقف وراء مرصده وأمامه الكرة الأرضية المرسوم عليها نهر النيل، ويدعو الأطفال للتفتيش عن إجابة لسؤاله من خلال العرض الذى يجب أن يعطيه المتعة والرسالة، وتلك هى الإشكالية الكبرى لعروض مسرح الطفل فى أى مكان فى العالم، فعلى المخرج الواعى بدراما الطفل أن يخطف عين الطفل بصريا وفنيا من أول لحظة، ثم يعطيه الرسالة والمعلومة دون أن يشعر بها وبوسائل متعددة، كى لا يجعله فريسة للملل طوال العرض وإلا سيكون الطفل عبئا ثقيلا عليه، وسوف يعانى من تحركه ومن ضوضائه وضجره طوال فترة العرض.
ويبدأ العرض بجذب عين الطفل بمشهد الأطفال يوسف ومازن وأميرة وفريدة الذين يمثلون التاريخ الفرعونى الذى كان يهتم بالنيل، ويجعل تلوثه كبيرة من الكبائر التى يجب أن يحاسب ويعاقب عليها، ويستخدم المخرج حسن سعد هؤلاء الشخصيات الأربع من الأطفال فى فترات مختلفة من العرض وكأنهم الضمير الذى يحرك ويوقظ أبناء الشعب المصري، وجاءوا بأزياء وملابس وماسكات مختلفة جذبت عين الطفل وعبرت عن الحالة التى يود تقديمها، كما عبرت الماسكات عن عدد من الطيور التاريخية التى كانت تساعد الفلاح المصرى فى فلاحة الأرض مثل الطائر «أبو قردان»، وأعتقد أن مشاهد الأطفال ستظل من المشاهد صاحبة الذاكرة القوية، لذا وجب الاهتمام بها كثيرا.
وتطرح القضية من خلال عائلة كريم «محمد الخولى» صاحب  الصوت  الأصيل وأخته ندى «عايدة غنيم» صاحبة الحضور الطفولى اللطيف طوال العرض والتى ساعدتها الملابس والموتيفات التى تواجدت معها مثل العروسة التى ضحكت بها ورمتها  فى النهر كى يفيض، والأب صاحب شركات السياحة الذى لف العالم «يوسف عبيد» ومجموعة الأصدقاء «سميراء وحال وسليم»، ويبدأ الأب فى سؤال الأبناء عن سر النهر وعن طوله والدول التى يمر بها، ويستطيع الممثل «يوسف عبيد» أن يجعل الأطفال فى الصالة تتفاعل معه بطرح بعض الأسئلة، والجميل أن بعض الأطفال يقول معلومات صحيحة ودقيقة تماما عن طول النهر والدول التى يمر بها، كان هذا التفاعل وسيلة لكسر الحائط الرابع كما يقول المصطلح المسرحى غاية فى الأهمية، خاصة مع مسرح الطفل الذى يحتاج إلى حالة من التجاوب الدائم معهم، وقد حدث ذلك عدة مرات خلال العرض، من قبل كل أبطال العرض تقريبا، وكان التجاوب أكبر مع الشباب خاصة «الخولى وعايدة وسميراء وسليم وحال»، الذين يكتشفون سر غياب القمر وغضب النهر، حين يفسرون الرسالة، يعرفون أن النهر غاضب من كل الذين يعيشون على ضفافه بسبب الحرب التى اندلعت فى رواندا بين أبناء قبيلة البلد الواحد، وقتلوا بعضهم البعض، والأدهى والأمر أنهم رموا جثث الكثير من الموتى فى النهر، بالإضافة إلى تلويث أبناء مصر لنهر النيل من خلال رمى الفضلات وصرف المصانع الكبيرة على النيل من مياه ملوثة وساخنة، قادرة على قتل الأحياء البحرية النهرية وتدمير الثروة السمكية التى لا تستطيع أن تعيش فى تلك البيئة الملوثة السيئة، بالإضافة للاستخدام السيئ من البشر من هدر المياه فى الزراعة وغسيل السيارات والحيوانات والأشياء وخلافه فى النهر.
وعبر المخرج الكبير حسن سعد، عن تلك القضية معتمدا فى المقام الأول على نص الكاتب حازم عرب، الذى قدم قضية مهمة تعانى منها مصر الآن وسوف تسبب لها أزمة مستقبلية، إلا لم تجد طرقا وعلاجا لكثير من المشكلات التى تمس المياه، خاصة بعد شروع أثيوبيا فى سد النهضة، وعليه يجب أن يعرف أطفال مصر الأزمة وعليهم أن يشاركوا فى الحل، لأنهم بالطبع جزء من المعادلة السكانية التى ترشد أو تهدر الماء، والشيء الثانى الذى استخدمه المخرج؛ الأغانى التى عبرت عن عدة مواقف درامية داخل السياق، وكانت أغنية «إيد على إيد» الختام الجيد الذى سيظل عالقا بأذن الطفل بعد خروجه من المسرح ويدعوه للعمل الجماعى الذى يحل الكثير والعديد من المشاكل، فالأشعار لمحمد الشاعر والألحان والتوزيع لباسم عبد العزيز، والغناء للمطرب الشاب محمد الخولى، وقد أعطت تلك الأغانى حالة من التنوع والتغير والبهجة للأطفال، ومن الأدوات المهمة التى استخدمها المخرج حسن سعد الاستعراضات التى صممها شريف راضى، وعبرت عن عدد من الأماكن والثقافات داخل مصر المختلفة والمتنوعة؛ مثل الريف المصرى والنوبة والثقافة الشعبية، وكنت أتمنى أن يقدم العرض عدة استعراضات لثقافة رواندا، وبعض دول حوض النيل، وأعتقد أن ذلك سيكون إضافة للعرض، خاصة أن رواندا جزء من الأزمة الدرامية داخل العرض وسبب أساسى من أسباب غضب النهر واختفاء القمر، وكنت أتمنى أيضا استبعاد  الخنجر من يد الراقصين فى استعراض  القتل الذى يعبر عن الصراع  والحرب التى قامت فى رواندا، لأن الطفل مقلد بطبعه، ويوجد أطفال صغار من الممكن أن يقلدوا الكبار، ووعدنى المخرج باستبعاد الخناجر من يد الراقصين، ورغم أهمية الإشارة إلى المؤامرة التى تحاك بمصر من قبل منظمات أجنبية «نجاح حسن»، إلا أن الجميع كشفها؛ الشباب والأطفال والدكتور وباقى الشخصيات فى العرض؛ المساعد « كمال زغلول»، والمذيعة «سوسن طه»، ومعلمة الشارع «هند فتحي».
وختاما، قدم عرض «أنت فين يا قمر»، الذى أنتجه المسرح القومى برئاسة الفنان حسن يوسف وجبة ثقافية شاملة وفنية وترفيهية ممتعة للطفل؛ بها الكلمة المحترمة والرسالة المهمة والضرورية  التى تؤكد على أهمية أن نهر النيل فيه حياة مصر ودول حوض النيل، إضافة إلى الأغنية والاستعراض والماسكات والحالة الكوميدية التى أضافها الممثلون مما جعلها مسرحية للأسرة وليست للطفل فقط، لذا أدعو الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفنى للمسرح، والفنان خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، أن تتجول عروض مسرح الطفل والعرائس فى الأقاليم كى يستمتع أبناء مصر كلها من تلك العروض ولا يستفيد منها فقط أبناء القاهرة.