الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صوت القاهرة وصك البطالة!

صوت القاهرة وصك البطالة!






حين يهل علينا شهر مارس من كل عام، أذهب وعشرات من كُتَّاب السيناريو  وكُتَّاب الأطفال من الكبار والشباب  إلى شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات فى مقرها، ويذهب كذلك مئات من الفنانين؛ من الممثلين والمخرجين ومهندسى الديكور والماكياج والملابس  والإضاءة  والكومبارس  مقهورين إلى حجرة ضيقة بها اثنين أو ثلاثة من الموظفين المكتئبين - لديهم حق - من أجل الحصول على ورقة واحدة، ممهورة بخاتم وعبارة «لا شىء»!، و«لا شىء»  هنا  ليست كعبارة الفيش  والتشبيه التى تؤكد أن طالب هذا الفيش ليست عليه أحكام، وهى عبارة يسعد بها حتى المتأكد أنه لم يرتكب جرما فى حياته،  ولكن عبارة  خاتم شركة صوت القاهرة «لا شىء» هنا تعنى أنه لم يعمل طوال العام الفائت، لم يكتب  ولم يمثل  ولم يخرج ولم يفعل شيئا على الإطلاق، يحصل على هذه الورقة لكى يقدمها إلى مصلحة الضرائب العامة، يحصل هذا الجيش من العاطلين أصحاب الكوادر المهنية العالية والموهوبين على هذا الصك  القمىء الذى يؤكد بطالتهم، ويؤكد ركود عجلة الإنتاج الفنى فى تلك الشركة العريقة التى أسسها الفنان الشامل محمد فوزى  وأممها الرئيس جمال عبد الناصر كى تكون للناس جميعا، وكان ذلك سببا فى موت محمد فوزى بعد حسرته على تأميم شركته.
ماذا سيحدث لناصر الآن لو رأى التراب على جدران الشركة المكونة من ثمانية أدوار، والتى  بها من الاستوديوهات ما يكفى لعمل عشرات المسلسلات والأفلام والسهرات والبرامج والتسجيلات سنويا، كل هذه الأعمال  كانت تنير الشاشة الفضية فى مصر  والعالم العربى، أعتقد أن الرئيس ناصر كان سيموت من الحسرة على طاقة الإنتاج الكبيرة المهدرة  والمعطلة بفعل فاعل، لا يعى قيمة ما نملكه،  وتملكه تلك الشركة التى قدمت مئات الأعمال الفنية التى ساهمت فى تنوير المواطن المصرى والعربى فى كل الأقطار، من الماء إلى الماء؛ من ينسى مسلسلات مثل  أبناء فى العاصفة، الأيام، العملاق، أبنائى الأعزاء شكرا، كفر عسكر، الضوء الشارد، أوبرا عايدة،وجه القمر، ومن السهرات المهمة زواج على ورق سلوفان للسقا ومنى زكى والأم المثالية لهدى سلطان  ومئات من مسلسلات الأطفال التى حصد العديد منها الجوائز مثل ممر الزمن وحكايات رمضان أب وصيام  الجزء الأول، والسؤال هنا: لماذا توقفت شركة صوت القاهرة عن الانتاج؟ وتوقفت المعدات والكاميرات وجلس العاملون بها والفنانون فى انتظار المدد من السماء، إن عدم دعم هذه الشركة بالميزانيات اللازمة للانتاج يعد فى تصورى تعمدًا لإهدار وحبس المال العام، ويعنى ذلك ببساطة أننا  نصرف رواتب وجهودًا وحوافز مكافأة للبطالة فى حقيقة الأمر، وعلينا أن نعيد التفكير مرة أخرى فى عمل تلك الشركة التى قدمت رموز الفن المصرى والعربى فى المراحل كافة، وعلى الدولة دعم ميزانية الشركة لتبدأ حركة الإنتاج مرة ثانية، والمسئولين عن إدارة هذه الشركة برئاسة المهندس محمد العمرى التحرك فورا  لتدير كاميراتها وتفتح استوديوهاتها، ولا يتوقف العمل على مسلسل اوأكثر للكبار بمناسبة رمضان وذلك من خلال عدة مقترحات منها: العمل بنظام المنتج المشارك من خلال الأفراد والمؤسسات، فبعض الهيئات فى وزارة الثقافة  والآثار ينتج من وقت لآخر مواد فنية مثل الأفلام التسجيلية والرسوم المتحركة  وبعض الإعلانات عن أعمالها،  ومنذ فترة ليست ببعيدة توقف المهرجان القاهرة لسينما الطفل تحت دعوى إنتاج فيلم للأطفال لتشارك به مصر التى لم تنتج أفلاما للطفل حتى الآن، لماذا لا يشترك صندوق التنمية الثقافية  والشركة فى إنتاج أول فيلم مثلا لهذا المهرجان  ويعاد المهرجان مرة أخرى للحياة، لماذا لا تتخصص الشركة مبدئيا فى إنتاج مسلسلات الأطفال؟ تلك النوعية التى كانت شركة صوت القاهرة متخصصة فيها فى مصر،  وكانت توزعها جيدا على القنوات  والفضائيات المصرية  والعربية، لماذا لا تعيد عمل السهرات التى كانت تقدم أسبوعيا  وتناقش عددًا من الظواهر التى تواجه المجتمع المصرى  والعربى  وقدمت تلك السهرات عددا من نجوم الشاشات  السابقين والحاليين منهم أحمد زكى  ومنى زكى  وأحمد السقا، لماذا لا تقدم عددا من البرامج التليفزيونية بالمشاركة مع بعض القنوات وشركات الإعلان الخاصة  وتسوقها على الفضائيات، لماذا لا يتم تسويق استوديوهاتها الداخلية  والخارجية للشركات التى تقوم على تنفيذ الأعمال المرئية  ومن الممكن ان تشترك معها بجزء من التكلفة باستخدام أدوات الإنتاج الكثيرة  والمتاحة، لماذا لا تعمل الشركة  كبيت خبرة للجامعات الخاصة التى لديها كليات للإعلام مثل أكتوبر  وتفتح استوديوهات لتدريب الطلاب مقابل أجر وأعتقد أن ذلك سيكون إضافة كبيرة  ومهمة لطلبة تلك الجامعات الخاصة، لماذا لا تحول الشركة نفسها جزءا من عملها للنشاط التعليمى  والتدريبى للغير فى مصر  والعالم العربى؟
وأخير ماذا لو وتم ذلك  من خلال منظومة بين تلك الشركة  والوزارات الأخرى؛ كإنتاج كل المواد التوعوية التى تحتاجها  والتى يصرف عليها ملايين الجنيهات دون إنتاج جيد  وحقيقى مثل الارشاد الصحى  والزراعى  والشرطى   والأثرى  والبيئى، الثقافى، إضافة  لعمل بعض القوافل التى لن يزيد جمهورها بأى حال عن عشرات الآلاف من المواطنين،  ولماذا لا يتم تصوير البرامج الثقافية لتلك الوزارات من خلال الشركة لتذاع على قنوات التليفزيون المصرى؛ أرضية  وفضائية، ترى متى يحقق الحلم  وتعود صوت القاهرة لسابق عهدها؟