السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثقافة فى مواجهة الإرهاب (2)

الثقافة فى مواجهة الإرهاب (2)






لم يكن صباح الأحد طيبا ككل يوم فى نفس التوقيت من كل عام، فقد ضرب حادث الاعتداء على الكنيستين القلب، فطنطا عاصمة المحافظة التى ولدت بها والإسكندرية عاصمة الإقليم الذى انتمى إليه، لا أدرى ماذا أقول للأصدقاء والزملاء من الأخوة المسيحيين من أبناء مصر فى كل مكان، أشعر بخجل كبير يكسووجهى ويمنعى من مجابهة تلك العيون الكليلة الحزينة الباكية فى طنطا والإسكندرية ومن قبل فى القاهرة، خاصة وأننى أعرف كم يحملون من محبة لى فى قلوبهم، أراها فى الكثير من المواقف والمناسبات التى تمر علينا كل يوم.
 أشعر بحزن ضخم يسيطر على طوال اليوم كلما ذهبت وصافح وجهى شاشات التلفاز تتألم من القتل والخراب الذى أصاب الكنيستين، ويكسوالوجوه ويسكن تلك القلوب التى يغلفها القلق والتوتر، رغم أننى خرجت لأداء مهمة عمل واجبة كانت كفيلة أن تلهنى بعض الوقت، إلا أننى عدت أكثر حزنا وكآبة من المناظر التى رأيتها حزينة فى الشوارع، فقد كانت هناك حالة من الصمت تسيطر على الشارع الذى لم يكن كعادته، لم يعد الخوص فى أيدى الصغار من أبناء مصر المسيحيين مبتهجا مشرحا للقلب كعادة كل عام، كان يزين صباح أحد الشعانيين ببشارة الحياة  والخير والجمال،  كانت تلك الوجوه تلون صباح مصر فى هذا اليوم بالبهجة والسعادة والطمأنينة والأفراح التى تتشابك مع باقى أعياد المسلمين والمسيحيين فيكونون معا فى الأيام المبهجة لهذا الوطن، ألم يعرف هؤلاء القتلة أن من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا - مسلمين ومسيحيين  ويهود وكل الملل والنحل والمذاهب والأديان الوضعية وغيرالوضعية - ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، إن من خطط ودبر ونفذ بالطبع لا يعرف تلك الآية الكريمة ولم تمر عليه ولم تخطر بباله أو تمس له قلبا، وليس لديه أى ثقافة من أى نوع، هؤلاء القتلة جردوا من ثقافتهم الإنسانية والإسلامية والعربية والمصرية، هؤلاء سقطوا صيدا سهلا وفريسة طيعة لأفكار لا تعشق إلا الخراب والدم ولا تعيش إلا عليها ولها، هؤلاء ليسوا إلا قتلة بلا عقل.
إن حادث الكنيسة البطرسية بالقاهرة كان إشارة مهمة أن هؤلاء القتلة قد بدءوا فى التفكير فى شىء جديد يضرب قلب الوطن فى مقتل، وكان علينا الاستعداد له جيدا والاستنفار قبل أن تأتى الأعياد لرصد هؤلاء الذين غيبت الأفكار الضالة عقولهم وجمدت قلوبهم، ولكن قبل ذلك علينا أن نسأل أنفسنا: من يستطيع أن يواجه قاتلا لنفسه قبل أن يقتل الآخرين، ألم تكن حادثة الهجوم على مركز التدريب بطنطا قبل أيام كافية للاستنفار فى طنطا على الأقل، ولكننا فى الوقت نفسه نجد أن رجال الأمن فى الإسكندرية قاموا بواجبهم وقتل وجرح منهم عدد كبير، فهذا القاتل لم يفرق بين مسلم ومسيحى، ولكنه كان على يقين واحد، أنه ضد الجميع وضد الحياة وضد المصريين - مسلمين وأقباط - فى الحقيقة، لا شىء غير ذلك وعلى الجميع أن يذكروا أنفسهم بتلك الحقيقة الكاشفة الواضحة.
وعلينا أن نذكر أنفسنا ونؤكد للكل أن المعركة معركة ثقافية فى المقام الأول وأن الثعالب الصغيرة بدأت تكبر وتنمو وتترعرع، وعلينا أن نلحق البراعم الصغيرة فى كل مكان من أرض الوطن، علينا أن نصل إليهم فى كل مكان قبل أن يصل إليهم أصحاب الأفكار الضالة المضلة ويلعبوا فى رءوسهم ويغيروا نفوسهم ضد هذا الوطن وناسه مسلمين وأقباطا، علينا أن نفعل فقط الآن ما يساعدنا لمواجهة تلك الأزمة التى لن تستطيع الدولة أو الأجهزة أن تواجهها بمفردها، على كل واحد منا أن يفعل شيئا لصالح الوطن وينقذه من تلك الكارثة التى قد تضرب عنصرى الأمة لو استمرت تلك الأفعال، فهل من مجيب؟.