الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كامل العدد مع  «قواعد العشق الأربعون»

كامل العدد مع «قواعد العشق الأربعون»






أعطنى مسرحا، أعطيك شعبا مثقفا واعيا سمحا قادرا على العمل والحياة، والمسرح الجاد القادر على التغلغل فى النفوس، يتعامل فى الحقيقة مع كل مفردات وحواس الإنسان، بهذا يضمن له البقاء والحياة والاستمرار، حين يعتقد منفذو العمل أنه يخاطب الجسد يسقط العرض ولو بعد حين، وحين يعتقدون أنه يخاطب العقل، لا يستطيع أن يواصل، وحين يعتقدون أنه يخاطب الروح فقط، يسقط منه أصحاب العقل والجسد، إذا وجب عليهم أن يقدم وجبة متكاملة، يخاطبون بها الجميع، وهذا ما فعله المخرج عادل حسان  على مدار عامين كاملين من الإعداد والتجهيز للعرض المسرحى الممتع «قواعد العشق الأربعون»، المأخوذ عن رواية الكاتبة إليف شافاق، وقامت بالدراما تورج والإشراف على ورشة الكتابة الكاتبة المثقفة رشا عبد المنعم وشاركهتا الكتابة ياسمين إمام شغف وخيرى الفخرانى، والحقيقة أن مجموعة العمل التى تولت إعداد الرواية قد نفذت إلى بصيرة الرواية وروحها وماهيتها، وقدمت لنا اثنين من أقطاب الصوفية؛ جلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى، بروعة ورشاقة على مسرح خشبة السلام، فقد استطاع المخرج عادل حسان ومجموعة عمل الكتابة أن يجعلوا المتفرج  مقتنعا  أنهما- الرومى وشمس-  من البشر الذين يسيرون فى شارع  قصر العينى، وأنهما قد جاء لتوهما لكى يصلحا نفوس وعقول البشر الذين  قد أخذهم التشدد أو التسيب إلى مراحل اللاعودة، خاصة بعد أن ظهرت على الساحة داعش وعبدة الشيطان والانحلال السلوكى والأخلاقى، فحين يدعو شمس الدين التبريزى العاهرة للعودة لحياة الطهر وتستجيب وكذلك السكير والجلاد، ويفتح جلال الدين الرومى بيته للعاهرة لتعيش فيه ويظلها بظله، فنحن فى الحقيقة نفتح قلوبنا لبعض، لكى تسكنها الرحمة والمودة والطمأنينة، وليس هذا فقط فالمسرحية تركز على زوجة جلال الدين الرومى المسيحية كيما، فنرى حالة من الوحدة الإنسانية التى يجب أن يكون عليها الجميع، بعيدا عن تعصب المتعصبين والبعدين عن روح الإسلام والمسيحية، فلو أراد الله لجعل الناس أمة واحدة، ولكن شاءت إرادة الله أن نكون مختلفين، فالسيدة مريم العذراء جزء من إيمان المسلمين، والجميل أن المخرج عادل حسان قد جعلها (أميرة أبو زيد) مع سمير عزمى جناحا الغناء الصوفى الرائع بالمسرحية، وكأن هذا الغناء الروحى الذى يمس القلوب والنفوس من روح الديانتين، ولم لا؟؟ وقد استقبل النبى الكريم بالغناء فى المدينة والتراتيل جزء من مناسك العبادة المسيحية.
ويبدأ العرض بداية دائرية بقتل شمس الدين التبريزى،الذى حل ضيفا على صديقه جلال الدين الرومى وبدأ تغيير المفاهيم، بهدوء ومحبة وروحانية كبيرة، حتى شعر المرتجفون بالخطر ومنهم أحد  أبناء جلال الدين الرومى نفسه، وفى تصورى أن الاغتيالات تبدأ حين يشعر المتطرفون والمرتجفون أن الكلمة بدأت تؤدى عملها وتوثر فى الناس، لذا وجب على المتطرفين أن يبدأوا التصفية الجسدية لأصحاب الفكر، لذا أرى أن المسرحية إنذار بالخطر، وأننا صرنا غير مؤثرين فى الشارع تماما ثقافيا وفنيا، فلا نستحق حتى ثمن رصاصات الاغتيالات التى كان يتبعها هذا الفكر فى سنوات سابقة، لأننا لم نعد نملك الكلمة  الصادقة القوية الطيبة الجريئة القادرة على المواجهة، فكل الكلام الآن صار مهادنا ثقافيا وفنيا ودينيا، وعلينا أن نبدأ ثانية، فعرض مثل قواعد العشق الأربعون، من العروض القادرة على إلقاء الكلمة التى نتحدث عنها  فى وجه المتطرفين والمرتجفين.
ومن الأمور التى أسعدتنى فى هذا العرض أن المخرج الواعى المثقف عادل حسان أعاد اكتشاف عدد من الأشياء المهمة؛ أولها، عودة الجمهور وبأعداد كبيرة للمسرح مرة أخرى، حتى عادت لافتة كامل العدد للمسرح بعد غياب، وهذا شىء يحسب له ولمدير المسرح أشرف طلبة وللمحترم الفنان إسماعيل مختار رئيس البيت الفنى للمسرح وللمخرج المبدع خالد جلال رئيس القطاع، والشىء الثانى تألق وعودة بهاء ثروت للمسرح مرة أخرى وظهور فوزية مرة ثانية فى المشهد التمثيلى المسرحى، ثالثا وهذا هو الأهم بالنسبة لى، اكتشاف وتقديم ممثل ضخم للساحة الفنية، وهو أحد أبناء الثقافة الجماهيرية المجيدين، الفنان عزت زين الذى قدم دور جلال الدين الرومى ببراعة واقتدار، وأعتقد أن الساحة الفنية قد كسبت ممثلا مهما سيكون لكل من أدوار الكبار نصيب لو صدقت النوايا والموضوعية. رابعا؛ اعتماد  عادل حسان على عدد غير قليل من ممثلى مسرح الثقافة الجماهيرية المؤثرين فى العرض مثل سمير عزمى صاحب الصوت الصوفى الرائع، ويؤكد هذا أن هذا المسرح قادر على ضخ دماء المواهب القادرة على  الفعل المختلف، فما أسعد أبناء الثقافة الجماهيرية بأبنائه عادل حسان وعزت زين وسمير عزمى.
وأخيرا لعبت الموسيقى والألحان للدكتور محمد حسنى دورا دراميا مهما فى تقديم الحالة الروحية التى عليها العرض، كما لعب الديكور لمصطفى حامد والأزياء لمها عبد الرحمن دورا مهما فى تشكيل اللوحة البصرية للعرض المسرحى، فقد كان الديكور عبارة عن لوحة فنية مقسمة لعدد من الغرف على دورين، تقدمها الإضاءة حين يبدأ المشهد دون اللجوء لتحريك الديكور، وختاما هذا عرض يستحق المشاهدة أكثر من مرة وأعتقد انه لن يغلق أبوابه لفترة طويلة.