الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الكسب غير المشروع» سر خوف الحقوقيين

«الكسب غير المشروع» سر خوف الحقوقيين






استعرضنا فى المقال السابق السياق والمناخ الذى أدى لصدور قانون الجمعيات الجديد رقم 70 لسنة 2017 والذى لخصنا فيها عددا من الأخطاء لبعض دعاة العمل الحقوقى سيحاسبهم التاريخ يوما على ما اقترفوه بحق الحركة الحقوقية وتفريغها من جوهرها الحقيقى وهى الدفاع عن مصلحة المواطن والسعى لتحديث حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وهنا ودون تشنج عدد من الملاحظات القانونية المجردة والمنزهة عن الهوى السياسى لبعض مواد القانون سنسعى بالتأكيد فى المستقبل لتعديلها حتى يتواءم القانون مع فلسفة وروح ونصوص الاتفاقيات الدولية التى التزمت بها مصر أمام المجتمع الدولى ويمكن تلخيصها فى الآتى:
أولا: نص المادة (2) وهى المتعلقة بالتأسيس تنص على (........ ولا يعتبر إخطارا منتجا لآثاره القانونية كل إخطار لم يستوف كافة البيانات والمستندات المطلوبة ووفقا للنموذج المعد لذلك).
هذه المادة تخالف نص المادة (75) من الدستور والتى تنص على : للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى؛ وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الأخطار
إذن الإخطار حق دستورى لا يجوز تقييده بالقانون والدستور ألزم المشرع بأن الشخصية الاعتبارية تكتسب بمجرد الاخطار؛ وهذا ما فعلته المحكمة الدستورية فى جلستها المنعقدة بتاريخ 3 ديسمبر 2016 والتى قضت بعدم دستورية نص المادة العاشرة من القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن قانون التظاهر.
نحى الدستور القائم منحى أكثر تقدمًا وديمقراطية فى صونه حق الاجتماع السلمى وما يتفرع عنه من حقوق، فسلب المشرع الترخص فى اختيار وسيلة ممارسة هذه الحقوق، وأوجب ممارستها بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى لاستعمال الحق وممارسته كالإذن والترخيص، ولما كان الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر ممارسة الحق المُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت للاخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار، ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، ولو اعتصمت فى ذلك بما يخوله لها الضبط الإدارى من أماكن، فالضبط الإدارى لا يجوز أن يُتخذ تكأة للعصف بالحقوق الدستورية، وقياسا على حكم المحكمة الدستورية السالف فان هذه المادة من قانون الجمعيات يشوبها عدم الدستورية.
نص المادة ( 8 ) فقرة ج والتى تنص على......... صحيفة الحالة الجنائية لكل عضو من المؤسسين وإقرار ذمة مالية وجوب تقديم إقرار ذمة مالية افتراض سوء النية فى من يتقدم للعمل الأهلى وتشدد لا مبرر له إذ يكفى إقرار من العضو بتقديم كشف حساب بنكى عن آخر سنة مالية؛ فضلا عن أن هذا النص سيضع كل من يريد العمل بالعمل الأهلى تحت سيف الكسب غير المشروع لاسيما وأن عددا كبيرا من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات من رجال الأعمال ويمتلكون مشروعاتهم التجارية والصناعية الخاصة بهم ولن يرغبوا فى تهديد أمنهم الشخصى فى أموالهم الخاصة بسبب نشاطهم فى العمل الأهلى.
نص المادة 14 من القانون فى تقديرى نص معيب ويخالف التزامات مصر الدولية لأنه قصر أنشطة العمل الأهلى على ميادين التنمية والرعاية الاجتماعية فقط بل وطبقا لخطة الدولة واحتياجاتها واخرج منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدفاعية ومنظمات رصد وتوثيق الانتهاكات من مجالات العمل؛
نص المادة (14) فقرة ز
والتى تنص على.... يحظر إجراء استطلاعات الرأى أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل عرضها على الجهاز للتأكد من سلامتها وحيادها.
هذه الفقرة تتعارض مع التزامات مصر الدولية وتصديقها على الاتفاقيات الخاصة بالحق فى تداول المعلومة حيث الحق فى الحصول على المعلومة وتداولها يسمح بإجراء استطلاعات الرأى ونشرها فضلا عن ما هى خبرة اللجنة للوقوف على حياد الاستطلاع من عدمه وإذا لم يتم الاستطلاع فى الداخل ستقوم المنظمات الدولية بإجراء استطلاعات وتصديرها للداخل يمكن تنظيم إجراء الاستطلاع وليس منعه إما عن طريق أن يكون من يجرى الاستطلاع والذى يشرف عليه لديه مؤهل معين أو خبرة معينة وأما الإعلان عن عدد العينة الممسوحة ونطاقها الجغرافى أو أية شروط أخرى لكن منع الاستطلاع قيد كبير سيجعل الدولة المصرية فى مرمى سهام المنظمات الدولية المعنية بحرية الرأى والتعبير.
نص المادة 15 والتى تنص على:
يخضع رؤساء وأعضاء مجالس الادارة واعضاء مجالس الامناء للجمعيات وغيرها من الكيانات المنظمة بموجب احكام هذا القانون إلى قانون الكسب غير المشروع ويلتزمون بأحكامه.
وجه الاعتراض هنا أنه يجب تحديد من يخضع للكسب غير المشروع فى تلك الجمعيات وان يقتصر ذلك على تلك التى تتلقى تمويلا من جهات حكومية أو شبه حكومية أو جمعيات النفع العام عدا ذلك لا يمكن إخضاع غير الموظفين العموميين أو الذين لا يديرون مرافق عامة أو الذين لا يحصلون على أموال من جهة حكومية أو شبه حكومية للكسب غير المشروع.
المادة 19 فقرة أولى والتى تنص على: يجوز للجمعية ان تنضم أو تنتسب أو تشارك فى ممارسة نشاط اهلى لا يتنافى مع أغراضها مع جمعية أو هيئة أو منظمة محلية أو أجنبية بشرط الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية بناء على طلب يقدم بذلك.
هذه مادة بها تشدد وستجعل المجتمع الدولى يواجه القانون بكل ما أوتى من قوة لأنه يحرم الجمعيات المحلية من التشبيك والتواصل مع الهيئات والمؤسسات الشريكة ويفرض قيوداً على حركة الجمعيات والمؤسسات المصرية ويمنعها من أداء عملها فى المحافل الدولية لاسيما أن أكثر من 25 جمعية مصرية حاصلة على الصفة الاستشارية فى الأمم المتحدة وهذه الصفة تعطيها الحق فى الحضور والتفاعل مع أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية دون الحاجة لإذن من الجهة الإدارية.
المادة 21 والتى تقضى بضرورة موافقة الوزير على فتح مكاتب ومقرات للجمعية بالمحافظات.
هذه المادة من وجهة نظرى بها تزيد كبير وكان مشروع الحكومة الذى تم سحبه ينص عليها واستجابت الحكومة لطلب الأستاذة منى ذو الفقار حينها واكتفت بموافقة الجهة الإدارية وليس الوزير شخصيا.
وأخيرا الباب التاسع بالعقوبات فى القانون يجب إلغاؤه لأن الحبس فى قانون الجمعيات سيكون مدخل لانتقادات دولية واسعة يجب الاكتفاء بالغرامات وبنصوص قانون العقوبات وحرمان العضو المخالف مثلا مدة 5 سنوات من الترشح فى أى جمعية أخرى لان العمل الأهلى مخالفته لا يجب ان تكون عقوبته الحبس لا سيما وأن كافة الجرائم كالاختلاس أو التربح وغيرها بالفعل منصوص عليها فى قانون العقوبات ومكن ثم سيتعرض المخالف للعقوبة الجنائية العادية المنصوص عليها بقانون الجمعيات ولسنا فى حاجة لنصوص خاصة بقانون الجمعيات.
مجمل القول يقتضى مبدأ المشروعية أن يخضع الجميع لسلطان القانون؛ وان احترام القوانين هو أحد أهم مظاهر سيادة الدول وأن إلغاء القانون أو تعديله ليس بتحدى القوانين والعمل خارج إطاره بل باتباع الطرق التى ضمنها الدستور والنظام القضائى فى مصر لتعديل أو إلغاء القوانين.