الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدراما التليفزيونية بين العبث والخرافة

الدراما التليفزيونية بين العبث والخرافة






جميل جدا أن يدخل القطاع الخاص بقوة موسم الإنتاج الدرامى الرمضاني، حتى ولو كان ذلك  من أجل تحقيق أهدافه الربحية  فقط، هذا أمر مشروع ومحلل ومباح، ولكن الحرام أن ينظر لنفسه فقط، ولا ينظر ماذا يقدم للناس خلال شهر رمضان، ما علينا، فلن ينظر لذلك كثيرا، فلم يسمع الرجل بالطبع عن المنتجة العظيمة آسيا أو ماجدة وغيرهما من المنتجين الذين أنتجوا للوطن أعمالا غيرت وأثرت وهذبت وعلمت الناس ومازالت تعلمهم حتى الآن، ولكنه علاوة على ذلك لا يتهم حتى بواقع المجتمع الذى يبث فيه سمومه دون أن يدرى، بحجة أن هذا بعض الموضوعات تجذب وتشد  القارئ، فإذا كانت كتب السحر والشعوذة هى من أكثر الكتب مبيعا، فليس معنى هذا أنها ستكون الأكثر فرجة ومشاهدة من غيرها، ربما، ولكى يضمن السادة منتجو تلك المسلسلات نجاحها الكبير، أحضروا لها النجوم الكبار لكى يحللوا ذلك ويرغبون المشاهد فيه.
أقول ذلك بمناسبة الخرافات والسحر والشعوذة المنتشرة فى مسلسلات رمضان هذا العام، ولو عادت الإحصائيات لعدد الأعمال الدرامية - مسرح، إذاعة، فيديو، سينما- التى ناقشت هذا، أعتقد أنه لن يجدها تزيد على عدد اليدين، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن، هل هى صدفة أم أن هناك تدبيرًا لتغيب الناس من قبل أحد، لن استسلم لمنطق المؤامرة التى تسيطر علينا أحيانا ولكننى سأكتفى بمبدأ الصدفة التى ربما تتماشى مع حالة السحر والشعوذة التى حضرت فى نهار وليل رمضان رغم أننا نعرف أن العفاريت والشياطين  تكون مصفدة ومغلغلة ومسلسلة  فى السلاسل وليست فى المسلسلات، فمن أحضرها وحضرها على موائدنا  فى الشهر الفضيل إذن، من يستطيع أن يصرفها؟ فكل الرجال الآن فى شوق للعفريتة سلا التى تحب الزعيم عادل إمام، ومن حق الزعيم أن يحب وأن يدلع بالطبع، فهو الكبير كما تقول الأغنية الشعبية.
والسؤال الذى يراود الجميع ويلح علينا جميعا يوميا وسط هذا التغيب الدرامى المستمر ما عدا بعض مسلسلات حققت المعادلة الصعبة، أين إنتاج اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أين قطاع الإنتاج الاقتصادي، أين شركة مدينة الإنتاج الإعلامي، أين شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات ؟ ماذا تفعل كل تلك الأصول وأدوات الإنتاج طوال العام، إذا كانت مصر تمتلك هذا الكم من مؤسسات الإنتاج ولا تجد أموالا لتنتج، وتدفع فقط مرتبات ومكافآت وحوافز وإثابة، فكم من الأموال تنفق دون أى مردود لها،  فهناك إذن - فى تصوري- إهدار متعمد للمال العام، يجب أن يحاسب عليه الجميع، وقبل الحساب المادى، يأتى قبله الحساب والتقصير تجاه المجتمع الذى ترك فريسة للتغيب والعبث فى مقدراته الفكرية  فى يد من لا يرى إلا مكاسبه المادية فقط، فكيف نستطيع أن نجدد الخطاب الثقافى والدينى ؟ وأهم  وسيلة فى يد مؤسسات الدولة غائبة وفى يد من لا يقدرون، إن دعم الدراما التليفزيونية فى موسم مثل شهر رمضان صار أمرا ضروريا وملحا للدولة التى تحارب الإرهاب الشرس فى كل مكان، فمن يحارب معها التطرف الدينى والعقائدى المنتشر الآن فى كل مكان، أين المسلسلات التى تقدم الوجبة الدينية والتاريخية والمجتمعية التى كان أثرها يظل مستمرا حتى رمضان المقبل، لا يوجد مسلسل دينى أو تاريخى يقدم  شيئا، علينا أن نحزن  كثيرا على تلك الأيام وأن نقف مع التليفزيون المصرى  وقفة جادة ليقوم مرة أخرى ويمارس دوره التنويرى كما كان رغما عن أنف من يريدون له أن يظل بعيدا عن المشهد، فهل نقف معه وهل ندعم الدراما التى أراها فى الحقيقة مستقبل وطن؟.