الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر - 9

تاريخ الحركة الحقوقية فى مصر - 9






أثبت بعض النشطاء،  بهجومهم غير المبرر على  مقالاتى الأولى عن الحركة الحقوقية فى مصر، أن ملايين الدولارات التى حصلوا عليها على مدار السنوات الماضية للدفاع عن حرية الرأى والتعبير قد ذهبت سدى؛ فلم تجعل منهم أكثر تسامحا مع الرأى الآخر ولم تذهب للدفاع عن ضحايا حريات الرأى والتعبير فى مصر، عدا بعض أنصارهم من اليساريين والاشتراكيين الثوريين. بطبيعة الحال لم يفاجئنى رد فعل البعض منهم وما سردته من وقائع وأحداث وأسماء ليست من الماضى البعيد وأصحابها حاضرون ويمكن لمن يشاء أن يصحح بعض ما ذكرته. لكن اكتفى بعض النشطاء بقذف الحجارة، اعتقادا منهم أن ذلك سيمنعنى من الاستمرار، وكان رهانهم خاسرا للمرة المليون كباقى رهاناتهم التى خسروها وكان آخرها الرهان على المنظمات الدولية والاستقواء بدوائر صنع القرار فى الكونجرس والاتحاد الأوروبى على بلدهم ومساعدة أعداء الوطن فى النيل من الدولة المصرية.
على أية حال، ورغم صخب بعض النشطاء فى العمل الحقوقى كمرجعية وأدوات سياسية والهرولة خلف التمويل من المنظمات الدولية لتحقيق حلمهم المنشود فى إسقاط الدولة وبناء دولتهم الجديدة، لا يجب أن ينسينا هذا النوع من النماذج الشاردة والاستثنائية فى تاريخ الحركة الحقوقية بعض الشخصيات الحقوقية المصرية التى أثرت العمل الحقوقى ليس فى مصر وحدها بل فى المنطقة العربية وهى شخصيات حقوقية ناضلت من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان فى مصر من دون إنشاء منظمات أو مراكز أو سعى للحصول على تمويل أجنبى أو عربى أو حتى داخلى.
هذه الشخصيات الخالدة فى تاريخ الحركة والتى يحاول النشطاء المارقون إطفاء الأنوار من حولها حتى لا تنكشف أكاذيبهم ونضالهم الخشبى المزعوم فى حركة حقوق الإنسان لأن ضوء تلك الشخصيات سيكشف بالضرورة أكاذيب النشطاء المدعين هؤلاء.
هذه الأسماء المصرية فى تاريخ الحركة الحقوقية التى آثرت العمل الهادئ، بعيدا عن الشللية وكتائب الإعلام واللجان الإلكترونية، سينصفها التاريخ يوما ما بالتأكيد. وهنا أودّ أن أشارك معكم بعضا من سيرتهم. يأتى على ذاكرة كل جاد ومشتغل بالشأن الحقوقى الأستاذ محسن عوض كبير الباحثين فى مجال دراسات حقوق الإنسان والذى علم الأجيال المتعاقبة أصول الدراسات الميدانية والبحثية فى قضايا حقوق الإنسان ومقارنتها بالاتفاقيات والمواثيق الدولية والذى شغل منصب أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان لمدة طويلة ويعد أحد مؤسسيها والذى انتقل الى المجلس القومى لحقوق الإنسان ليثرى العمل به ويمارس هوايته فى تربية أجيال جديدة من الباحثين الجادين. هناك أيضا المحامى القدير عبدالله خليل أحد رهبان العمل الحقوقى الذى كان عضوا بمجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عام 1991 ولمن لا يعلم فالأستاذ عبدالله خليل هو صاحب أول مبادرة فى تقديم تقارير ظل أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وكان قد أعدّ تقريرين هما «جريمة بلاعقاب» و«القوانين المقيدة للحقوق المدنية والسياسية» عام 1993. ولا تزال هذه الكتب تمثل المرجعية الرئيسية لمن يريد أن يعد تقريرا عن حالة حقوق الإنسان فى مصر مقارنة بالتزامات مصر الدولية باتفاقيات حقوق الإنسان. ثم يستعين به المجلس القومى لحقوق الإنسان لإعداد خطته الاستراتيجية لمدة 5 سنوات وتستعين به الامم المتحدة للعمل كخبير مستقل فى عدة مجالات. ويأتى الدكتور محمد الغمرى الباحث والمحامى الذى تخلى عن العمل التنظيمى بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى كان مديرا تنفيذيا بها عام 1998 ليعمل بمجال التدريب على قضايا حقوق الإنسان ليس فى مصر فقط بل فى دول عربية عديدة وتستعين به بعض الحكومات فى إعداد تشريعات تتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية. ثم المحامى والخبير الحقوقى محمود قنديل الذى كان مديرا لوحدة العمل الميدانى بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وغادرها عقب أزمة حادث الكشح وتفرغ للتدريب فى مجال حقوق الإنسان فى مصر وعمل مستشارا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهو أحد أهم المتخصصين العرب فى مجال القضاء الجنائى والمحاكمات الدولية وتستعين به جهات عديدة للتدريب فى المغرب وليبيا وتونس واليمن والجزائر. كذلك هناك الخبير المستقل بالأمم المتحدة رضا عبد العزيز الباحث الميدانى بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمجلس القومى لحقوق الإنسان ومسئول وحدة المنظمات غير الحكومية بالمجلس وهو الآن مستشار بالأمم المتحدة يعمل على بناء القدرات للمنظمات والمؤسسات الوطنية على المستوى الإقليمى والمتواجد حاليا بأربيل مع بعثة الأمم المتحدة لبناء قرارات المؤسسات هناك. وأخيرا هناك الباحث القانونى والمدرب محمد عبدالله خليل الذى تولى إدارة وحدة تطوير المشروعات بالمجلس القومى لحقوق الإنسان وتستعين به جامعة الدول العربية الآن للعمل كخبير باللجنة العربية لحقوق الإنسان. هذه النماذج المضيئة فى تاريخ الحركة يجمعها قاسم مشترك فهم لا يظهرون إلا نادرا أو بالكاد فى القنوات ووسائل الإعلام وأهم ما يميزهم أنهم رفضوا فكرة العمل من خلال التمويل أو تأسيس منظمات خاصة بهم.
ثمة نقاط مضيئة فى الحركة الحقوقية ولبعض أفرادها أياد بيضاء كثيرة وحافظت على مهنيتها. آثرت هنا أن أورد بعض النماذج حتى لا يظن كل متابع لما أكتبه عن الحركة الحقوقية أنها مجرد منظمات تلهث وراء الشهرة والتمويل فقد ألقيت الضوء على بعض المنظمات حتى لا ينخدع بهم البسطاء فى هذا الوطن. أما هذا المقال فقد خصصته لشخصيات حقيقية تعمل فى صمت ودون صخب من أجل هذا الوطن.