الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لورى ليبتون.. سريالية على طريقتها الخاصة

لورى ليبتون.. سريالية على طريقتها الخاصة






حينما تتحول الحياة لحلم صعب المنال، ثم يتحول الحلم لرؤيا، ثم تتحول الرؤيا لكابوس، هنا قد يستيقظ الفن. أحيانا يستيقظ على وشوشات النسيم وهسيس القمر، وأحيانا أخرى يستيقظ على جسد الأنثى، وربما يستيقظ على الفزع والعظام الآدمية.
ربما تكون هذه الدورة هى عرف السرياليين الجدد إذا جاز لنا أن نسميهم لكن علينا أن ننتبه فالسرياليون الجدد منقسمون لأكثر من ثلاثين مدرسة فهناك السرياليون الذين يميلون للبوب آرت وهناك السرياليون الذين يشكلون مدرسة الكابوس لكن هناك أيضا السرياليون الذين يميلون أكثر لتدجين سرياليتهم بالجذور العريقة وهذا هو مذهب فنانة ذاعت شهرتها فى العشرين سنة الأخيرة وانتشرت بين أمريكا وأوروبا انتشار النار فى الهشيم وهى الفنانة الكبيرة لورى ليبتون والتى أصبحت تشكل مدرسة سريالية قائمة بذاتها ولعل أهم ما يميز لورى هو أنها متفردة ومجددة فى نواحٍ كثيرة سواء النواحى التقنية أو ناحية الموضوع التشكيلي.
لن نستطيع أن نحصر كل نواحى التجديد والتميز بالنسبة لفنانة كبيرة مثل لورى ليبتون لكن اللافت أنها تصر على إنجاز 90% من لوحاتها بخامة واحدة وهى القلم الأسود على الرغم من تعقيد المشهد التشكيلى لديها لكنها تستخدم الأبيض والأسود فقط الأستليوجرافيك مما قد يوحى لبعض النقاد تصنيفها على أنها تميل أكثر للاليستريشن أو ناحية الرسم التوضيحى لكننا أيضا لا نجد ذلك غريبا فلقد سبقها إليه وليم بليك الفنان الإنجليزى الكبير ولعلنا على الرغم من قربها أكثر لدرر وفان أيك فإنها أيضا قد ترتبط بخيوط متينة بوليم بليك سواء من ناحية التقنية أو فكرة المحتوى التشكيلي.
فإذا فتحنا نافذة صغيرة على عالم لورى ليبتون وجدناه شديد الخصوصية فهو من ذلك النوع الذى يتحول فيه الحلم الفنى إلى كابوس مفزع أو تجربة بشرية مريرة ومؤلمة لورى ليبتون تحتفى بالكابوس والموت وبقايا إنسان العصر الحديث أو قل بداية العصر الحديث فمعظم لوحات ليبتون قد ينتسب محتواها التشكيلى لعصر بداية الطفرة الصناعية والتكنولوجية وحيث آلة كوكيتو الجهنمية تربط الإنسان بمصيره مع الآلة التى سيطرت عليه تماما فأصبح تائها بين تروسها وأسلاكها.. شخصيات ليبتون شخصيات تائهة وغير منطقية تبحث عن مساحة من الحب ولا تجد.. حتى بعد الموت ربما يستمر حنين الإنسان للحب هذا ما تطرحه بعنف ليبتون فى بعض لوحاتها وهذا ما يفسر وجود الهياكل العظمية فى لوحاتها بشكل مكثف وقد يثير الرعب أحيانا.. هكذا بين الفزع والبحث عن الحب تتنفس لوحات ليبتون.. تمتلئ لوحات ليبتون بتفاصيل كثيرة تخص بعض الآلات والماكينات التى ربما تبدو لنا مذهلة وخرافية أحيانا كما أن هذه التفاصيل تعطى للوحة مساحة اللغز والحلم معا.
تبدو ليبتون كما تقول هى عن نفسها أنها متأثرة كثيرا بمدرسة التشكيل الدينية الفلمنكية القديمة وهذا ما نراه واقعا إذا قارنا بينها وبين هيرونيموش بوش ولعلنى أقول إن هيرونيموش بوش هو الأب الشرعى للمدرسة الكابوسية الحديثة لكن ليبتون فى مقاييسها واستخدامها للخطوط المحوطة تقترب أكثر من البرشت درر خصوصا مقاييسها الأنثوية تذكرنا أحيانا بلوحة الساحرات الحيزبونات للدرر.
يظل عالم الكابوس هو الأكثر سيطرة على عوالم لورى ليبتون التشكيلية وتقدم أيضا مضامين سيكولوجية شديدة العمق فهى تحاول الغوص أحيانا داخل اليبيدو الفرويدى بنوع من الجرأة الشديدة وهذا يخص بعض لوحاتها ذات المضامين الجنسانية كما أنها أيضا تضع رموزا للعنف وأمراض العصر النفسية مثل اغتصاب الأطفال لكن تظل الفكرة التشكيلية عند لورى فى محتواها شيقة وأحيانا فانتازية تدعو للتأمل ما جعل بعض مستخدمى فن الطباعة يستخدمون لوحاتها فى طباعة التيشيرت.
ولدت لورى ليبتون فى نيويورك وبدأت تمارس الرسم وهى فى عمر الرابعة، بالقلم الرصاص وهذا بالطبع أثر على مخيلتها وتقنيتها حتى الآن، وكانت أول فتاة تتخرج فى كلية الفنون الجميلة كلية كارنيجى جامعة بنسلفانيا ثم قامت برحلة طويلة بين فرنسا وبلجيكا وألمانيا ومعظم دول أوروبا حتى استقرت فى لندن منذ عام 1984 وتقول لورى ليبتون فى أحد اللقاءات الصحفية كنت أحب أن أعبِّـر عن نفسى انطلاقا من الرؤيا التشكيلية فى العصور الوسطى.. أنا أكره الكنفاس والخامات شديدة التعقيد وأجد أن تقنية الأبيض والأسود والقلم الرصاص أكثر مصداقية، فالأبيض والأسود لون الماضى ولون عروض التليفزيون القديمة والصور القديمة.
تعتبر لورى من أهم فنانى الحداثة السرياليين على طريقتها الخاصة حيث قامت بأكثر من 16 معرضا عالميا كان آخرهم أسلحة القداس الشامل والذى أقيم فى مايو الماضى بقاعة الفن الكبيرة بسانتا مونيكا بكاليفورنيا. لاقت لورى ليبتون نجاحا مدويا فى معظم معارضها وتعتبر لوحاتها من أكثر اللوحات قيمة بين معاصريها.