الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أرداش كاكافيان..  فنان باريسى برؤى عراقية

أرداش كاكافيان.. فنان باريسى برؤى عراقية






(بين صمت الشوارع وعلى الأضواء الخافتة المنبعثة من مصابيح الشوارع فى باريس.... كان يأخذ أفكاره ثم يطرحها على كنز الذاكرة التى تحمل فى طياتها نهرا وتمرا ونخيلا... وقوارب تسبح فى نهر لا ينتهى.... بين الصمت وانتفاضات الإبداع عاش كاكافيان يصارع الغربة) فى المعرض الأخير الذى أقامته دار مارى صالون الباريسية لعدة لوحات للفنان العراقى الكبير أرداش كاكافيان قدمت الناقدة ستيفانى لوكان بعض القراءات فى لوحات كاكافيان وفنه عامة وكنت أشعر أنه بالأحرى علينا أن نبدأ نحن فى تكريمه بل على وأكثر من ذلك علينا أن نستعيد ولو جزءا يسيرا من أعماله الكثيرة التى وضعتها المؤسسات الثقافة الفرنسية تحت تصرفها على أساس أن كاكافيان مات ولم يكن له وريث يطالب بهذا الإرث العظيم من الفن والإبداع، لعل صقل المدرسة العراقية وعراقتها فى الفن التشكيلى يدفعنا دائما لأن نتخيل أن هناك عدة قلاع فى بقعتنا العربية كان تنير بلا توقف ذلك البحر المتلاطم من الفن الذى تزخر به الأمة العربية منذ بدايات القرن العشرين وقد كانت المدرسة العراقية لها مكانتها كمنارة وحصنا تعلم فيه أجيال كثيرة من فنانى الوطن العربى منهم من عرفناه ومنهم من طوته عجلة النسيان أو كادت مثل الفنان العراقى الكبير أرداش كاكافيان والذى يعرفه كل مؤرخى الفن فى باريس وكل أعضاء الحركات الفنية بل أنه هو  و المصرى جورج صباغ الوحيدين اللذان تذكرهما موسوعة لاروس للفن التشكيلى لكن محبى الفن التشكيلى ودارسيه لم يعرفوهم إلا من خلال أعمال نقدية عالمية.
يقع أرداش كاكافيان بين عدة مدارس فنية تشكل مدرسته الخاصة والمتميزة فهو فى اللون وحركة الريشة تأثيرى النزعة وانطباعى أحيانا كما أنه فى الفكرة والتكوين سريالى يميل كثيرا إلى الجيل الثالث من السرياليين لكننا لا نستطيع إنكار نزعته الشرقية التى وضعته فى مصاف الفنانين العالميين كنوع من التعبير الحداثى عن الفكرة الشرقية فى الفن التشكيلى.
تعتبر الكتلة والجسد إحدى قضايا التكوين فى أعمال كاكافيان ومن منظور سريالى عبر كاكافيان عن الجسد كحالة من تفسخ الكتلة والتئامها مرة أخرى فنجده يخرج بشكل حصرى عن المقاييس التى يتبعها السرياليون فيحتفظ ببعض خصائص الجسد ككتلة غير قابلة للتجزئة وخصوصا الجسد الأنثوى يحتل الرمز الشعبى جانبا كبيرا من عوالم أرداش التشكيلية فنجد شخصيات بعينها استخدمها كاكافيان كرمز مثل (المهرج) وتتمركز أعماله فى مرحلة النضج داخل أجواء شرقية بحتة فنجد اللوحات التى تحتوى اكتمال لحضور شخص أو جسد نجدها يلبسها الروح العراقية يستخدم كاكافيان الرمز بكثافة وأحيانا بشكل عفوى خارجا من اللاوعى مثل استخدامه المتكرر للقارب فى أعمال كثيرة مما يوحى لنا بالتعبير عن تغريبة تعيشها روحة فى باريس التى عاش فيها معظم حياته ونجده يقول (كنت أظن أننى بارحت بغداد ورحلت عنها لكنه حقيقة أصبحت قطعة منى فحينما أتحدث أشعر أن هذه بغداد التى تتكلم ) ولد أرداش كاكافيان - لأب أرمنى هرب من البطش التركى - فى الموصل عام 1941 وهوى الفن منذ صغره مما دفعه لأن يكون عضوا فى جماعة بغداد الفنية التى أسسها الفنان جواد سليم وفى السبعينيات رحل أرداش كاكافيان ليكمل دراسته بمعهد البوزار فى باريس وحصل على ليسانس العمارة الداخلية وفى عام 1967 حصل على الجائزة الأولى من صالون الخريف التشكيلى فى باريس وأصبح اسمه يتردد فى أجواء باريس الفنية ثم واصل نجاحاته فحصل على جائزة دووم العالمية عام 1971 قام ارداش برحلات فنية عديدة للهند واليابان وفى الهند أطلق علية الفنان الهندى والناقد هاريش كابور (فنان العوالم البعيدة) واقتنت هيئات ثقافية كثيرة فى الهند أعمال له. وفى عام 2000 رحل أرداش كاكافيان فى باريس بعد 45 عاما من الفن وكانت وصيته الأخيرة أن يحرق جسده وألقى رماده فى نهر دجلة فى العراق، وكان يقول فى لقاءاته الأخيرة (أحاول أن أبحث عن أمومة الجسد فى فكرة تشكيلية جديدة).