الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
‎مصور شواطئ الحلم «بول سيناك».. الأخ الأكبر للفن التشكيلى الفرنسى

‎مصور شواطئ الحلم «بول سيناك».. الأخ الأكبر للفن التشكيلى الفرنسى






‎لعل من أهم ما يعبر عن موهبة الفنان التشكيلى هو تعبيره عن نظرية حقيقية ذات قواعد وأسس وهذا ما يحدد طموح الفنان التشكيلى فيما بعد على أنه فنان ذو وجهة نظر خاصة، بالإضافة لكونه صاحب مدرسة خاصة أيضا وتعتبر أهمية وجود نظرية محددة لدى الفنان التشكيلى هى إحدى الضروريات لخلق فنان تشكيلى ناجح فقد نجد آلاف الفنانين التشكيلين فى عصر واحد لم يشار إلى أى منهما كجزء من تاريخ الفن التشكيلى والسبب واضح وجلى وهو أن هذا الفنان أو ذاك لم يكن له نظرية أو تقنية خاصة به وبالتالى يضاف إنتاجه لكم من مخلفات الفن التشكيلى التى لا تميزها عن غيرها الكثير.
‎لكن الوضع يختلف تماما فى وجود نظرية محددة يعبر بها الفنان عن رؤيته فى عالم الفن وقد يعتنق الفنان مذهبا أو نظرية قديمة أو يقوم بتطوير هذه النظرية أو حتى يبتدع نظريته الخاصة به وكل ذلك يتوقف على مدى قبول المتلقى والمجتمع الفنى لهذه النظرية ولقد ألمح «دافنشى» فنان عصر النهضة الأشهر إلى تلك الفكرة فى إحدى فقراته، حيث يرى «دافنشي» أن الفنان التشكيلى بدون نظرية أو «تكنيك» خاص به يعتبر حرفى وليس فنانًا لأن الطرح الفنى هنا معتمد بالضرورة على الخلق والإبداع وليس على التنفيذ فقط.
‎وفنان اليوم هو فنان تدين له المذاهب الحديثة بنقله تطويرية كبيرة لأنه من أهم أصحاب النظريات فى الفن التشكيلى بل نستطيع أن نطلق عليه الأخ الكبير فى مجتمع الفن التشكيلى ‎الباريسى والعالمى لفترة طويلة وهو الفنان الفرنسى الكبير بول سيناك صاحب أهم نقلة تطويرية فى الانطباعية بل ومؤسس الإنطباعية الجديدة كما أنه ساعد على ظهور «المدرسة الوحشية» ومشجع «التكعيبية» وبالتالى فهو الأخ الأكبر للفن التشكيلى الحديث كما ذكرنا.
‎يقول بول جوجان عن بول سيناك (فى فترة ما لم يعد الفن فى باريس ذا قيمة كبيرة كما أصبح من المستحيل أن تجد من يرعى وجهات النظر الجديدة بشكل جاد أى بشكل يضمن لوجهة النظر هذه أن تستمر فى العطاء على أرض الواقع لكن هناك فنانين برزوا بين هذه الفوضى حملوا على عاتقهم رعاية المبدعين الجدد كان على رأسهم فنان باريس المخلص بول سيناك ونحن شخصيا ندين له باستمرار عطائنا)، ‎هكذا يعتبر بول جوجان أن «سيناك» كان من أهم أسباب تطورهم لأنه أول من أيد حركة الوحشيين الفنية، ‎ولعل من أجمل ما أطلق على سيناك ذلك اللقب الذى أطلقه عليه الفنان جورج سورات صديق عمره ورفيق رحلته الفنية وهو لقب (مصور شواطئ الحلم) وكان ذلك بسبب افتتان بول سيناك برسم الشواطئ والسواحل فى فرنسا وعدة دول أوربية ونالت لوحاته لتلك السواحل شهره واسعة وأصبحت نماذج يقلدها العديد من الفنانين.
‎ولد بول سيناك عام 1863 فى باريس ولما بلغ ال18عاما كان قد درس فن العمارة قبل أن يتحول إلى دراسة وممارسة الفن التشكيلي. وفى البداية قام بول سيناك برحله حول شواطئ أوروبا أنجز فيها العشرات من اللوحات التى تصور الشواطئ والمناظر الطبيعية.
‎وفى عام 1884 التقى بول سيناك مع كلود مونيه وجورج سورات وحيث كون مع الأخير ثنائيًا فنيًا ناجحًا جدا حيث أقتنع بنظرية سورات الفنية وأصبح من أهم المؤيدين له وفى هذه المرحلة أيضا كان بول سيناك يقترب بأكثر بأعماله من الإنطباعية لكن بفكره جديدة بحيث طور سيناك نظرية التنقيط وقدم منها تقنيه جديدة مع اللانطباعية فيما عرف بعد ذلك بالانطباعية الجديدة وفى هذه الفترة أيضا أكمل سيناك رحلته حول الشواطئ الفرنسية التى أغرم بها مما دعاه لأن يشترى بيتا فى أحدى القرى الساحلية فى الجنوب الفرنسى ثم قاربا أبحر به حتى اسطنبول ثم قام برحلة إلى إيطاليا زار فيها جنوا وفلورنسا ونابولى.
‎قام سيناك بزيارة فان جوخ فى أرليس وتأثر بعدة خطوط تقنيه فى أعماله، والحقيقة أن فان جوخ أثر فى فنانين كثيرين فى هذه الفترة وليس سيناك فقط،
‎ولم يتوقف سيناك عن كونه فنانا تجريبيا يستخدم كل التقنيات اللونية المتاحة وكل الخامات حتى نال شهره واسعة جعلته يؤثر فى كل الأجيال اللاحقة وبشهادتهم حيث أثر بشكل مباشر فى هنرى ماتيس ودوريان ويعتبر العديد من النقاد ان بول سيناك هو مكتشف «المدرسة الوحشية».
‎فى عام  1908 انتخب بول سيناك كرئيس لرابطة الفنانين المستقلين والتى تعتبر شريان الفن الباريسى ونقابة الفن الحقيقية فى فرنسا وظل يتمتع بهذا الشرف حتى مات عام 1935.
‎يعتبر الفنان الفرنسى الكبير كاميل بيساور من أهم الذين تأثروا ببول سيناك بشكل كبير وكان يعتبره الأب الروحى له حتى انه كان شاهدا على عقد زواجه على زوجته بريث رابيليه ويقول عنه بيسارو (لم يكن سيناك الأب الروحى لى فقط بل كان الأب الروحى لمعظم الفنانين الفرنسيين وخاصة جيل الطليعه فى اوائل القرن العشرين)،
‎ولم يترك بول سيناك للبشرية لوحاته فقط كتراث يعضد قيمة الفن التشكيلى بل ترك لنا مؤلفا ضخما عالج فيه نظرية ديلاكورا فى التصوير والذى يعتبر من أهم المراجع فى الفن التشكيلي، ‎توفى بول سيناك فى أغسطس عام 1935بتسمم الدم ودفن فى مقبرة بيير لاشيز الشهيرة بباريس.