الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«برنينى» يشعل معركة الستر والعرى بين الجندى وخالد منتصر

«برنينى» يشعل معركة الستر والعرى بين الجندى وخالد منتصر






«سوء الفهم».. هو ذلك السلاح الذى نستطيع أن نذبح به جمال الأشياء ونحن واثقون أننا نفعل الصواب.. كأن نعتقد مثلا  أن تمثال أفروديت يعبر عن العرى، الحقيقة أن هذا كثيرا ما يحدث بل ويصبح سوء الفهم هو القاعدة خصوصا فى تلك العصور التى يخيم فيها الضباب الفكرى وأشباح التخلف على الجو العام وكما يتحول كل خطاب عقلى إلى خطاب دجماوى محض وتصبح كل الأفكار الطليعية عرضة لأن يضحى بها على المذبح الوهمى للتدين، وهذا ما يحدث حاليا بدون أى مجاملة أو مواربة فى الأوساط الفكرية المصرية فهناك دائما ذلك الظل الدينى المتزمت والرجعى الذى يجعل من أى فكرة فنية أو فكرية تيارا ضد الدين بل وأحيانا يصل الهجوم حد التكفير، وهذا ما يظهر من آن لآخر فى مواقف فردية من بعض رجال الدين لكنه بالطبع يعبر عن توجه عام يظهر فيه الاستغلال الشديد لغياب التنوير والوعى لدى السواد الأعظم.
ولندخل مباشرة لموقف حدث منذ بضعة أيام واشتعلت به مواقع التواصل الاجتماعى والمنابر الإعلامية فلقد نشر الطبيب الإعلامى خالد منتصر على صفحته مجموعة صور لتمثال شهير وهو تمثال هاديس يختطف بريسيفونيه للنحات الإيطالى الأشهر لورينزو برنينى (1598-1680) وهو أحد عتاة عصر النهضة وتحديدا المرحلة الانتقالية بين الرينيسانس والباروك، كان المنشور الذى نشره خالد منتصر صغيرا ويعج بالأخطاء لأنه والحقيقة وقع فيما وقع فيه الكثير من غير المؤهلين للحديث عن الفن حيث ذكر أن التمثال هو اغتصاب بريسيفونيه وذكر اسم المتحف المحفوظ فيها بشكل خاطئ ومنقوص (والصحيح متحف فيللا بورجيزى) باختصار حاول السيد خالد منتصر تطويع قطعة فنية عن جهل لفكرة كان يريد أن يتحدث عنها والحقيقة أن التمثال لا علاقة له بالاغتصاب لكنه اختطاف جسدى ومعنوى فالإله هاديس إله العالم السفلى والموت عند الإغريق والثروة أيضا (بلوتوس عند الرومان) كان يعيش فى مملكة العالم السفلى مع الموتى ومن ثم فلقد رفضت الكثير من الربات فوق جبل أوليمبوس الزواج به فقرر هاديس اختيار فتاة واختطافها وكانت بريسيفونيه وهى فتاه غضة ابنة ديميتر ربة الخير (كيريس عند الرومان) وبينما كانت تلعب بريسيفونيه مع أقرانها هجم عليها هاديس وحملها فى عربته واختطفها لعالمه – أى أنها ماتت – ويصور برنينى لحظة الاختطاف تلك بكل دقة وهاديس يحاول أن يختطف الفتاة وهى تقاومه رغم صغر جسدها وسنها معا بجانب هاديس القوى الذى يظهر فى صورة وحشية كما أنه يصحب معه كلبه الشهير كيربيروس ذا الثلاث رؤوس والمعروف بوحشيته وعنفه لذا كانت الفتاة فى حالة فزع ورهبة لأنها يتم اختطافها (أو قبض روحها إذا شئت أن تقول) وعلينا أيضا أن نذكر أن هاديس ذاته معنى اسمه المختطف ولازلنا نذكر فى وصفنا للموت كلمة – اختطفه الموت – إذا لا علاقة للموضع بفكرة الاغتصاب كما يحاول أن يشرح لنا الأستاذ خالد منتصر!! كما لم تذكر أى من كتب الأساطير سواء ميتامورفيسوس – مسخ الكائنات لأوفيديوس – أو ثيوجونى – أنساب الآلهة لهسيدوس- أو حتى الدوائر الملحمية والدراما الإغريقية والرومانية أن هاديس اغتصب بريسيفونيه اللهم إلا بعض الأنشودات التى كتبت فى العصر الأليزابثى ذكرت فى وصفها للحدوتة أن بريسفونيه ألقت بزنارها – حزام حريرى – قبل أن يشق هاديس الأرض وينزل بها لعالمه ونوه الكاتب الانجليزى المجهول أن الزنار هو أحد رموز العذرية دون إشارة إلى أى حالة اغتصاب والدليل على كلامنا أن هاديس حينما نزل بها للعالم الآخر حاول أن يهدئ من روعها أو يجعلها تأكل دون جدوى حتى أنه لم يستطع لمسها اللهم إلا ست من حبات الرمان التى أكلتهم ولهذا السبب قسم زيوس كبير الآلهة عند الإغريق حياة بريسفونيه لستة أشهر تعيشهم على الأرض فتزهر والدتها الحقول (الربيع والصيف) وستة أشهر تعيش فى العالم الآخر فتضرب والدتها عن أزهار الحقول (الخريف والصيف) وقبل أن نهمس فى أذن خالد منتصر قائلين (لا تحارب سيدى فى معارك على غير أرضك لأنك سوف تخسرها) علينا أن نذكر الشق الثانى من القضية وهو أن خالدًا آخر ونقصد الشيخ خالد الجندى انبرى للدفاع عن فكرة الستر والعرى وكأن الدكتور خالد منتصر قد تجرأ ونشر صورة إباحية على صفحته – وإن كان هذا من حقه وتكفله له حريات النشر الالكتروني- إلا أن الموضوع هو تمثال عمل فنى يخلو من أى إيحاء جنسى أو أيروتيكى إلا إذا اعتبرنا أن الشيخ خالد الجندى تحركت غرائزه وأراد أن يتحسس أنوثة بريسفونيه هو الآخر – فليذهب إلى هاديس إذا أراد – الموضوع ليس مزحه بل حدث بالفعل لقد هاجم الشيخ خالد الجندى الدكتور خالد منتصر وأفتعل معركة بادعاء صون جسد المرأة، وأن كنا لن ندخل فى مزاح رخيص وهو ليس هدفنا بالطبع لكن هدفنا أن نوضح أن العرى فى الفن هو قضية أساسية أذا لزم الأمر وهو أيضا أحد قواعد الفن سيدى الشيخ فالفن وخصوصا فن النحت هو الصراع على إظهار جمال واكتمال المقاييس فى الجسد البشرى ولا فرق هنا بين تمثال أبوللو (الذى يعبر عن جمال الجسد الذكورى وقوته) وتمثال أفروديت ربة الجمال وهذا الصراع على إظهار اكتمال المقاييس هو أحد تسبيحات الفنان للخالق فى صورة تمجيد خلقه، لذا فإن عرى الفن لا يعبر عن محتوى جنسى شهوانى –إلا فيما ندر– لكنه يعبر عن عظمة الخلق ويشفى غليل الفنان فى المحاكاة، وإن كان هذا الطرح عصيا على فهم شيخنا الجليل فانصح سماحتكم أن تغض بصرك وتتوقف عن تتبع عورات صفحات السوشيال ميديا ولعلنى أتساءل إذا كانت الشخصيات الدينية التى تعيش بيننا تنتحل دورًا ليس لها وتحاول القيام بدور الرب فى محاسبة خلقه على كل ما يفعلون سواء بقصد أو بدون قصد.. شيخنا الجليل برجاء الفصل بين الفن وماهيته وبين الأشكال الأخرى التى لا تنتسب للفن، كما ننصح أيضا الدكتور خالد منتصر بتأصيل معلوماته وعدم المبالغة فى تعبيره عن آرائه التى تصل أحيانا لحد التشنج غير المبرر كما نعيد الهمس فى أذنه الكريمة قائلين (هناك فرق كبير بين تطوير الخطاب الدينى وتفكيك الدين ذاته وعليك الحذر فأنت تقترب أحيانا من التفكيك تماديا فى مناصرتك للتنوير وربما يكون تنويرا مفتعلا).