الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الرقص الحديث ومضمون الحركة والسكون

الرقص الحديث ومضمون الحركة والسكون






الحركة والسكون علة الوجود.. الحركة والسكون خيوط الحوار الفلسفى ومن ثم الدرامى والأدائى.. لذا قد ترى أحيانا فى فنون الأداء الأكثر حركة كل المذاهب الفلسفية تتصارع وتتحاور وتقفز مع المؤدى فوق خشبة المسرح.. الدراما الحركية المتخصصة والتى تحتفى بالحركة وتعتمد عليها كلية فى التعبير.. هى صراع بين بارمنيديس وهيراكليتيس أى حكمة السكون وفلسفة الحركة.. الحركة والسكون قد تكون أيضا الفكرة الأكثر عمقا فى التعبير عن الموت والحياة فالموت سكون دائم ومن ثم تحلل و تلاشى والحياة حركة دائبة وطاقة متجددة ومن ثم استمرارية... هكذا تستطيع أن تعرف الرقص الحديث ببعض من التلخيص حتى تقربه للقارئ العادى.. الرقص الحديث هو حديث الجسد فى حواريه حركية حول الحركة والسكون، ولعلنا نحاول أن نوضح أيضا كيف نشأ الرقص الحديث فى خضم سيطرة الرقص الكلاسيكى على الساحة الفنية وحتى أواخر القرن التاسع عشر، نعم هذه حقيقة فالرقص الحديث ليس وليد القرن العشرين كما قد يعتقد البعض لكنه نشأ مع نشأة الحداثة ذاتها فى ما يعرف بـ«المودرنزم» فى أواخر القرن التاسع عشر حيث تبنت مدارس عديدة تفكيك الرقص الكلاسيكى والخروج من الإطار الجامد للنص المكتوب مع تصميم أصم للحركة وتحجيم طاقات الراقص فى دائرة البالية التى قد تجعل منه تكراريا ومملا فى أحيان كثيرة لكن قبل أن نتحدث عن الرقص الحديث علينا أن نقول أن الرقص الحديث فى الوطن العربى أخطأ مفهومه فى معظم الأحيان باستثناء الأسماء القليلة وعلى رأسهم وليد عونى والذى يعتبر علامة من علامات الرقص الحديث فى المنطقة العربية بخلاف ذلك يظل الرقص الحديث ذات مفهوم سطحى للغاية وغير مثمر كفن جماهيرى فى الوطن العربى كما يظل مفهوم الرقص الكلاسيكى أكثر انتشارا وربما طبقياً فى معظم الأحيان لأنه درج الاعتقاد أن فن الباليه هو فن تتذوقه طبقة معينه وليس للعامة . الحقيقة أن الرقص الحديث ليس كما يقر فى أذهان البعض مجرد حركات بهلوانية أو فوضى حركية يستطيع ممارستها أى شخص على العكس تماما قد يكون الرقص الحديث أكثر صعوبة فى الأداء من الرقص الكلاسيكى لأن موضوعاته طليعية ومن ثم يجب أن يكون الراقص والمصمم فى الرقص الحديث قد مارس الرقص الكلاسيكى لفترة طويلة حتى يكون قد تفاعل مع روح الرقص والأداء الحركى ذاته كما أن التكوين الرئيسى فى الحركة الراقصة هى أساسها الحركة الراقصة الكلاسيكى لكننا نستطيع أن نقول أن الرقص الحديث هو الأكثر تعبيرية والأكثر ابتكارا فى لغة الجسد ولذا قد يحلو للبعض أن يعتبر الرقص الحديث رقصا تعبيريا على أطلاق المصطلح مع أن ذلك ربما لكن يكون دقيقا لكن على أية حال فالرقص التعبيرى هو لب الرقص الحديث، أذن لن نستطيع أن نخرج برقص حداثى صحيح وله فلسفته دون أن نكون قد مررنا بتجربة الرقص الكلاسيكى، وكذلك يكون الراقصين الأكاديميين والمصممين أساس دارسين للرقص الكلاسيكى ثم تأتى بعد ذلك مرحلة الهروب للابتكار وهى أن يخرج الراقص من الإطار ويقوم بتفعيل كل حواسه ويستخدم لغة الجسد بحرفية ودون حدود حتى يخرج بالشكل التعبيرى المطلوب، تعتبر فرقة تيرو سارنين هى الفرقة الوطنية للرقص الحديث لدولة فنلندا والتى تتلقى دعما كاملا من وزارة الثقافة الفنلندية ووزارة التعليم فهى ليست فرقة راقصة فقط بل هى أيضا تقدم خدمات تدريبية وتعليمية وتقيم ورشا للرقص الحديث والتعبيرى بل وحتى الأداء الدرامى الحركى، تعيد الفرقة فى هذا العام عرضين راقصين من أهم عروضها الراقصة الأول هو «أحمل عنى شيئا من ثقلى» وهو أحد العروض الخلاقة التى تعتمد على ما يعرف بالدويتو المتوازى أى انه يعتمد على راقصين أساسين يقومون بكل العرض الراقص يقدمون جملا حركية متلاحقة ومتوازية فى معظم أوقات العرض ثم تواصلا واحتكاكا فى بعض الأوقات. العرض مبنى على فلسفة التواصل والتآزر من حيث حوار الإنسان مع الآخر فهو بكل بساطه يوجه رسالة من الإنسان لأخيه الإنسان أن يحمل عنه بعضا من متاعبه، الأداء الحركى فى العرض متميز والجمل الحركية بها جدية وتحمل طاقات تعبيرية هائلة بالإضافة إلى الأضواء التى تعطى أيضا خلفية تعبيرية للحركة ومن ثم نجد أن الضوء هو جزء أساسى من الأخراج المسرحى للرقص الحديث لأن الرقص الحديث هو تابلوه أو عدة تابلوهات بدون سيناريو أو نص مكتوب ومن ثم تصبح الأضواء والموسيقى هى أدوار رئيسية تشارك فى فك الشفرة أو اللغز الحركى داخل العمل وفى عرض أحمل عنى شيئا من ثقلى تأتى الخلفيات الموسيقية لرخمانينوف وستيف ريتش كأرضية تحدد جزء كبير من إيقاع الراقصين كما تورد للمشاهد الشعور باتجاه العاطفة والمشاعر داخل العمل كذلك اختار مصمم العرض سينوغرافيا شديدة الحساسية والتعبيرية أيضا من تصميم ريتشيل كرامبى والتى ركزت على أشكال نحتية لصف من أشخاص جالسين على أرجوحة طويلة بعضهم زوجان متقاربان وبعضهم فرادى فى حالة توحد وهذا هو المقصود بالتحديد من العرض تقديم قيم المشاركة والاتصال مع الآخر كما قلنا، العرض من تصميم وإخراج تيرو سارينين وأضواء ميكى كونتو وسينوغرافيا ريتشيل كرامب.