الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
محمد البكار.. الأوبرالى الذى خرج من السينما لمسارح برودواي

محمد البكار.. الأوبرالى الذى خرج من السينما لمسارح برودواي






كتبت مارى جوديث دور مشكين الناقدة فى مجلة فيلادلفيا عام ١٩٥٩ «رحل أمس فى مشهد تراجيدى أضاف عليه تراجيدية حقيقية اللامع محمد البكار المصرى ذو الأصول اللبنانية أثناء مشاركته فى مهرجان الفنون الأمريكية اللبنانية، فقدنا موسيقيا بارعًا وصوتًا من أقوى الأصوات التى عرفناها فوق مسارح بروكلين وبرودواي».
الحقيقة أن الجيل الذى شاهد الأفلام الأبيض والأسود يعرف محمد البكار كوجه فقط، ذلك المطرب ذو الصوت الجهورى القوى والذى غنى باللهجتين الشامية والمصرية ببراعة ورأيناه وهو المغنى الأوبرالى الشهير يغنى بكل بساطه مع فريد الأطرش وشكوكو ويمثل فيتقن دوره على الرغم أنا نعرف جميعًا صعوبة إدماج مغنى الأوبرا كممثل فى السينما.
الحقيقة أن حياته محمد البكار ملتبسة للغاية ويعود السبب الأكبر فى ذلك لأن من أرخو عن حياته فى مصر هم إما من الكذابين ومخترعى التاريخ أمثال عبدالله احمد عبدالله وحسن الإمام عمر على الرغم من أنهم لم يحتكو به تماما.. كذلك بعض الكتاب اللبنانيين الذين اختلقوا الأكاذيب حتى يظهروه بصورة البطل اللبنانى الخالى من المصرية تمامًا وهذا افتراء بين.
ولد محمد البكار لأب وأم لبنانين عام ١٩٠٩ فى حى الفجالة بالقاهرة - وهذا ما لا يعرفه الكثيرون - ثم عاد والداه إلى لبنان عام ١٩١٣ وهذا سبب أن الكثير يعتقدون أنه ولد عام ١٩١٣ ثم عاد إلى مصر بعد أن درس الموسيقى فى لبنان على يد أساتذة أجانب وسافر إلى نابولى عام ١٩٢٧ ودرس على يد أساتذة إيطاليين الفن الأوبرالى وقيل إن اسمه مسجل ضمن كتالوجات عدة أوبرات بطلها بنيامينو ليللى الأوبرالى الأشهر صاحب أغنية - Mamma Sono Tanto Felice - وصاحب نشيد الفاشية المعروف - جوفينيتزا- والبعض يقول إن بكار تدرب فى هذه الأوبرات تحت اسم مستعار - أماديو بكار - عاد البكار إلى بيروت عام ١٩٣١ وبدا نشاطه كمغنى وملحن لكنه كان يحلم أن يغنى للأوبرا التى أحبها فذهب إلى باريس وقدم مع عدة فرق صغيرة أوبرات بإنتاج ضعيف ومن بينها أوبرا عطيل.. ثم جاء إلى مصر عام ١٩٤٠ وقيل إن سليمان بك نجيب دعاه ليقوم بدور راداميس فى أوبرا عايدة بديلا لتينور فرنسى كان قد مرض قبل العرض بأيام وهكذا عاد بكار إلى مسقط رأسه مصر وبدا بالانفتاح على المجتمع الفنى والسياسى فكان صديقًا للسيدة هدى شعراوى وكان يغنى فى حفلاتها الخيرية صولهات أوبرالية وأغانى نابوليتانية وربما كان هو الأكثر شهرة بين مغنى الأوبرا الذين يشاركون فى هذه المناسبات حتى أن هدى شعراوى كادت تقنع بديع خيرى أن يستبدل به الشيخ زكريا أحمد فى مسرحية كتبت خصيصًا لأحد احتفالاتها الخيرية.
بدأت العيون تتجه لمحمد البكار بعد أن لحن عدة أوبريتات للمسرح ورأى فيه فريد الأطرش وعز الدين ذو الفقار مثالًا للشخصية الشامية الكلاسيكية والكوميدية معًا مع احتمالية أن يقوم بدور مغنى الموسيقى الغربية والأوبرا كما أدى بعد ذلك أمام فريد الأطرش فى أحد أفلامه.
قام بأدوار عديدة لكنه حافظ على أدواره الأوبرالية وارتباطه بدار الأوبرا المصرية.. وبعد الثورة بقليل وجد محمد البكار أن الأوبرا فى مصر سوف تتأثر وأن السينما أيضًا أخذت اتجاهًا لا يتناسب وتطلعاته ومن ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليستكمل مشواره الفنى ويقول فريد الأطرش أن رحيل محمد البكار كان خسارة كبيرة للموسيقى فى مصر وخصوصا الأوبرا اوريانتال لأنه من المعروف ان محمد البكار أعاد تقديم أول أوبرا عربية وهى أوبرا شمشون ودليلة التى لحنها العظيم داوود حسنى كأول أوبرا عربية فى التاريخ.
وفى نيويورك حيث استقر محمد البكار تعرف على أسطورة الموسيقى اليونانية تيتوس ديمترياديس والذى لحن وغنى أشهر أغنية يونانية فى القرن العشرين - مصرولو- ومعناها البنت المصرية حيث عاش شرخ صباه فى الإسكندرية وكان قد شارك أحد أقربائه فى شركة أسطوانات اسمها الكتريون - الديك - ونشأت صداقة كبيرة بين ديمترياديس ومحمد البكار والذى صحبه تيتوس ليغنى فى بار ومطعم يونانى لأحد أقاربه وكان اسمه - بار بورسعيد - لأن صاحب البار ولد وتربى فى بورسعيد وكان البكار يلعب العود ويغنى أغانى عربية مطعمه بالأسلوب الأوبرالى حتى تعرف عليه احد منتجى مسارح برودواى واصطحبه ليقوم بادوار غنائية فى مسرحيات شهيرة كانت تعرف بأسلوب - الروج اوريانتال - وأسند إليه دور كبير فى المسرحية الغنائية الكوميدية الشهيرة - بازار أورينتال - أى السوق الشرقى والذى اشترك فى تلحينها مع النابوليتانى الأشهر فى أمريكا ريناتو كاروسوني.. أيضا قام محمد البكار بوضع الموسيقى لأعمال مسرحية كثيرة وأعمال سينمائية وأصدر أسطوانات موسيقية لاقت نجاحا ساحقا منها سلطان بغداد و بورسعيد وموسيقى من الشرق الأوسط.
وفى ٨ سبتمبر عام ١٩٥٩ وأثناء مشاركته فى المهرجان الأمريكى اللبنانى الفنى فى لينكولن بوتوكيت أصيب بانفجار فى احد الأوعية الدماغية فى المخ ثم سكته دماغية فجائية ومات وهو لم يكمل عامه الخمسين.