باسم توفيق
رودلف هاسنر رائد الواقعية الفانتازية فى الفن النمساوى الحديث
تعتبر الأطروحات الحقيقية التي تتناول تاريخ مدارس ومذاهب الفن التشكيلي الحديث والتي قد نطلق عليها دراسات جادة تعتبر قليلة ومن هذا القليل الذي يضع عقولنا على فكرة حقيقية وعقلانية قليل آخر وبالتالى تتحول معظم الأطروحات لجدل عقيم حول ماهية الفن وخصوصا من وجهة نظر المدارس الحداثية وما قبل حداثية.
منذ شهرين صدرت دراسة حول السريالية والسرياليين لكن الكاتبة مارجو هارلن قالت ــ وسوف أستثني من القائمة رودلف هاسنر ــ والحقيقة أنها كانت على حق فرودلف هاسنر الفنان النمساوي الأشهر يعتبر دائما بمعزل عن هذه الدراسات التي تتناول السريالية بشكل من التسطيح أحيانا حتى أن البعض يعتبر هاسنر على الرغم من سرياليته الواضحة فنان بورتريه بشكل من التطوير بل والأكثر من ذلك أن باحث آخر يعتبره صنوا لفنان الكاريكاتير الأشهر دوميه وعلى الرغم من كل هذه المبالغات فإن هاسنر تجتمع فيه مقومات تشكيلية كثيرة تقربه من أساليب عديدة وتجعله بعيدًا عن صلب السريالية .
يعتبر الفنان النمساوي الكبير رودلف هاسنر من الفنانين القلائل في أوربا الذين طوروا الحس السريالي لديهم وأنتجوا منه شكلا آخر نستطيع أن نطلق عليه السيمي سرياليزم أى الأسلوب السريالي الجزئي ولعله خرج بهذا الخط نتيجة محاولته الدائمة لتتبع الفنان الأسباني والرائد السريالي سلفادور دالي ومهما قال هاسنر عن نفسه أو حاول أن يبرئ نفسه من اتخاذ «دالي» مثلا له فسوف نجد دالي حاضرا في كل أعماله سواء باستلهام تقنيات من دالي مثل تقنية ــ التمييع ــ وهي استعرض بها «دالي» عضلاته التقنية في استخدام اللون وتبدو فيها الأجسام شبه سائلة أو في حالة ميوعة كما في عالم الأحلام نجد ذلك بوضوح في أعمال كثيرة لهاسنر وأحيانا نجده يلجأ لاستلهام دالي من خلال الموضوع فنجد المضامين الخيالية وتصوير الحرب في صور عدائية للجنس البشري وهكذا.
لكن لم يكن «دالي» وحده هو المثال الوحيد لهاسنر فهو في مجمله فنان نمساوي غارق في عوالم جماعة باريس لكن أماديو مودلياني حاضر بشكل كبير في نسب بعض البورتريهات وخاصة الرقبه حتى ان النقاد يحلو لهم أحيانا إطلاق اسم – رقبة مودلياني – على نسب استطالة الرقبة ولعل أيضا المقولة التي تقول إن مودلياني عاش في أجساد العديد من فناني العصر الحديث تبدو صحيحة إلى حد ما ويرجع ذلك لأن مودولياني كان قد وصل لحالة وسطى من التحرر إيذانا بميلاد المدارس الجديدة .
إن ما يطلقه البعض على رودلف هاسنر أنه يميل أكثر للبورتريه ليس كلاما دقيقا فهاسنر يستخدم البورتريه وخاصة البورتريه الذاتي لإسقاط حاله تشكيلية سواء الإحباط أو الحزن أو الألم وهذا لا يعتبر بورتريه بالمعنى الدقيق وخصوصا أنه يستخدم وجهه هو موضوعا لذلك ولا نجد ذلك غريبا فنحن نجده عند «جوخ» و«مودولياني» و«بيكون» كمعادل لإسقاط الحالة النفسية كما هو عند هاسنر تماما لكن علينا أن نعترف أن هاسنر يميل بشكل كبير إلى «الكروتسك» أو المبالغة في تعابير ومقاييس الوجه بشكل خاص هذا ما جعل البعض يصفه بدوميه النمسا لكن السبب في ذلك سوف يظهر من سيرته الذاتية ورحلته مع السريالية من الإيمان إلى الردة.
ولد الفنان رودلف هاسنر في فيينا عام 1914 والتحق عام 1931 بأكاديمية الفنون الجميلة وتخرج فيها عام 1936 وفي هذه الأثناء لفت نظره الفن الأوربي بشكل عام فقام برحلة طويلة لباريس وأثينا وروما ثم قرر دراسة الفن المصري القديم فرحل إلى مصر وهناك تأثر بأسرار علم المصريات فقرر دراسة الروحانيات في الحضارات القديمة وبرع فيها فيما بعد ولذلك يعرف هاسنر بأنه الفنان التشكيلي الروحاني الوحيد في تاريخ الفن التشكيلي الحديث .
وبعد فترة الحرب العالمية الثانية بدأ هاسنر بالانضمام للسرياليين مع زملائه ادجار جان وارنست فوشيس و ولفجانج هوتر وأخذ يقيم معارضه الفنية الواحد تلو الآخر حتى اشتهر في أوربا كلها وفي عام 1956 انجز أشهر أعماله قوس اوديسيوس والذي يعتبر من علامات الفن التشكيلي الحديث .
وفي عام 1957 بدأت الخلافات تدب بينه وبين جماعة السرياليين الذين كانوا متمسكين بمبادئ السريالية بشكل كبير فانفصل عنهم وأسس مذهبه الخاص به وهو مذهب الواقعية الفانتازية في الفن النمساوي ولذلك لا نعتبر هاسنر سرياليًا مكتملًا أو من السرياليين الأصوليين بل نعتبره اتخذ من السريالية مرحلة انتقالية للوصول لعوالمه التشكيلية الخاصة والتي وضعته في مصاف رواد الفن التشكيلي الحديث .
ومنذ عام 1967 وحتى عام 1988 كان هاسنر محاضرا متخصصا في كلية الفنون بهامبورج ولعل الأجيال اللاحقة في النمسا تأثرت به تأثرا كبيرا وعلى رأسهم ابنته الفنانة الشهيرة زينا هاسنر، توفى هاسنر عام 1995 بعد أن نال تكريما يليق به من الحكومة النمساوية والمؤسسات الفنية العالمية.