الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التراث ثروة الأجداد

التراث ثروة الأجداد






كثيراً ما تطلق عبارة «دى بلدي» بتهكم على الكثير من التصرفات التي تكون محلاً للنقد.. ولكن المتأمل لهذه العبارة يجد أنها تحمل في طياتها دلالات حول نظرتنا للتراث الوطني.. فهل نحن شعب يعتز بتراثه الوطني أم أن التراث يمثل فكرة رجعية بالنسبة لنا؟.. وما دعاني للتوقف والتأمل في هذه المسألة أنني عندما مكثت مدة  ليست بقليلة بالمملكة العربية السعودية هالني روعة تعلق السعوديين بتراثهم الوطني واعتزازهم به، فلا تكاد تخلو مناسبة إلا وللتراث الوطني موضع قدم فيها، فأذكر أنني ذهبت إلى أحد المتاحف فوجدت في استقبالي مجموعة من الشباب يرتدون الزي الوطني ويقدمون التمر والماء «الكادي» ترحيباً بالزائرين و على وجوههم ابتسامة مشرقة، كما أذكر أنني عندما شاركت في مؤتمر من المؤتمرات إلا و لمست حرص منظمي المؤتمر على إبراز  لمحات من التراث الوطني السعودي.. ومن الأمور التي كنت شديد الإعجاب بها أن الكثير من الشباب الذين ابتعثوا إلى الخارج لاستكمال دراساتهم في الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية عادوا أكثر تمسكاً وفخراً بتراثهم.. وهذا ما دعاني إلى أن أطرح سؤالاً مهماً وهو أنه إذا كانت مصر أمة عريقة تتمتع بتراث زاخر.. فما مدى اعتزازنا بهذا التراث؟ قبل أن أجيب على هذا السؤال يجب أن أشير إلى أن مفهوم التراث بوجه عام هو ثروة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف والفنون التشكيلية والموسيقية، وهو بصورة أوضح ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون من جيل إلى جيل.. وإن كنت أرى أن التراث لا يمكن أن يقتصر مفهومه على ذلك، ولكنه أيضاً حالة وجدانية مفعمة بالحياة تنبض بداخلنا، فالتراث ليس فقط زياً شعبياً يُرتدى في الحفلات والمهرجانات والمناسبات العامة أو رقصات تُؤدى أو طعاماً يُقدم.. فاعتزازنا بتراثنا مسألة تتعدى هذه الصور الباهتة، إذ ينبغي أن يجري مجرى الدم بداخلنا وأن يكون بالنسبة لنا مورداً ومنهلاً يعيننا على التعايش مع الحاضر واستشراف المستقبل.. فإذا كنا نملك ثروة عظيمة من التراث تركها لنا الأجداد عبر آلاف السنين، فمن الجهل أن نلتفت عنها لنأخذ بأسباب الحداثة دونها.. فإذا أردنا أن نحقق نهضة ورقياً فلا يجب أن تثنينا أسباب التقدم العلمي والتكنولوجي عن تراثنا، فكلا الجانبين وجه لعملة واحدة، فلو افترضنا أننا سرنا على درب العلم و المعرفة وانقطعت صلتنا بجذورنا وماضينا فمما لاشك فيه أن المجتمع ستتفشى فيه الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تؤثر على استقراره، وسنصل إلى النتيجة ذاتها إذا استغرقنا في التراث دون أن نأخذ بأسباب الحداثة، ومن ثم فكما بدأنا نهتم بإذكاء العلم بجميع فروعه فينبغي أن نولي ذات الاهتمام لتراثنا.. فالخطر كل الخطر أن يكون هناك فجوة بين حاضرنا وماضينا، فإذا كنا نسعى إلى اللحاق بالدول المتقدمة فلا يبغي أن يثنينا ذلك عن الاعتزاز بتراثنا، فالتراث هو تأصيل لحالة الانتماء، ومحرك لتجسيد أمجاد الماضي، ووسيلة مؤثرة لتماسك المجتمع.