الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الفونسو موكا» فنان الميتافيزيقا الأنثوية ومخترع تقنية «المرأة الحلم»

«الفونسو موكا» فنان الميتافيزيقا الأنثوية ومخترع تقنية «المرأة الحلم»






حينما يتخيل الفنان المرأة  فإنه  لا يتخيلها مثل باقى البشر فهو قد يتعدى الشفرات الأنثوية والعلامات الجسدية  ليبرز أشياء قد تكون بعيدة تمام البعد عن حقيقة الأنثى وبالتالى نصادف صعوبات نقدية  كثيرة  فى عرض بعض الفنانين الذى يمرون بحالة  «الميتافيزيقا الأنثوية» وهذه حالة  قد تستتبع سيلا من التخيلات الفنية  تضع العين فى حيز من الرؤيا الطوباوية  لهذه  المخلوقة  الأرضية  التى توصف بأنها أنثى.
ربما تنطبق هذة  الكلمات على فنان يعدة  العالم من أهم فنانى القرن الـ19 والقرن العشرين قاطبة يكفى أنه  أول فنان تشكيلى فى القرن العشرين يطلق على أعماله  «الفن الجديد» وهو الفنان التشيكى الكبير الفونسو موكا «موخا فى اللهجة التشيكية» ولعل الإعلام الغربى لم يعط لموكا حقه من التحليل والأشادة  لأنه  ببساطة  من فنانى أوربا الشرقية  ونحن دائما ما نلاحظ هذه  الظاهرة  وهو أهمال فنانى أوربا الشرقية  على حساب أبراز فنانى أوربا الغربية  لكن على أي حال فإن دور الفونسو موكا فى الفن التشكيلى العالمى واضح وجلى وبدون حاجة  لإبراز الحقيقة  أن الفونسو موكا هو فنان نستطيع أن نطلق على أعماله  قفزات فى فن التصوير التشكيلى وعلى الرغم من أنها تبقى معظمها بورتريهات مصممة بشكل يناسب أكثر فن البوستر والإعلان إلا أنها تظل هى الطفرة الفنية سواء فى الأسلوب أو فى الألوان أو فى التقنية، والتى استحقت ان يطلق عليها «الفن الجديد» بمعنى الكلمة وهناك قضيتان مهمتان يجب أن نطرقهما فى أنتاج الفونسو موكا الأولى فى الموضوع التشكيلى ذاته  وهى الأنثى فى عالم ألفونسو موكا التشكيلى وفى هذه  النقطة  بالتحديد من الممكن أن نصف أسلوب الفونسو موكا بـ«ميتافيزيقا المرأة» وتعنى تخيل أنثى ما وراء الفكر البشرى أو أنثى الحلم فنساء موكا يتصفون بالرقة  والرشاقة  والحدة  فى نفس الوقت وخلفيات بورتريهاته التى تشتبك مع صفات الأنثى أيضا تشكل ذلك الحلم وهكذا تكون الأنثى عند موكا هى أنثى أتت للتو من حلم لكن أيضا علينا أن نقول إن الفونسو موكا ولا شك قد تأثر بالفنان الأنجليزى العبقرى دانتى جابريل روسيتتى والذى عالج بروفيل الأنثى من عدة زوايا جديدة  وبأساليب جديدة  كذلك استخدام تلك الخلفيات المكثفة من التكوينات النباتية والورود كان قد استخدمها روسيتتى بشكل كبير لكن موكا قد طور موضوع الأنثى داخل الأطار النباتى والموتيفات الزخرفية حتى أصبحت أعماله  نفسها موتيفات تحتذى ومن هذه الناحية علينا أن نذكر أن موكا قد أثر كثيرا فى العديد من فنانى العصر الحديث وبشكل هوسى أحيانا ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان المصرى الكبير يوسف فرانسيس والذى يمثل مدرسة الأرت نوفو المصرية  وبدون وضعة  أعماله  فى مقارنة  فإننا نجد أن نفس المقاييس «وخاصة مقاييس الوجه» يستخدمها كل من روسيتى وموكا وفرانسيس.
أما القضية  الثانية  فى أسلوب موكا هو بعده التام عن زخم الموضوع التشكيلى فهو لا يعالج قضية ما «إلا نادرا» بل هو يجعل بهاء الأنثى الحلم هو موضوعه  التشكيلى مبتعدا بذلك عن طرح قضية  تتعدى هذه  الفكرة  حتى إنه  تكاد تخلو أعماله من الشخصيات الذكورية  لأنه  كما قلنا الأنثى لديه هى محور العمل التشكيلى.
على الرغم من ذلك أثبت موكا أن هذا الانحسار ليس بسبب ضعف ما فى موهبته حيث قام بأعمال تناول فيها موضوعات تاريخية  ودينية  لاقت نجاحا شديدا مثل عمله  التاريخى الرائع «الملحمة السلافية» والتى تعبر عن الجذور التاريخية لسلوفاكيا كذلك لوحاته  التى نفذها على الزجاج  فى كاتدرائية سان فيتوس فى براغ.
ولد الفونسو موكا فى يوليو 1860 فى ايفانشيسى وهى إحدى مقاطعات مورافيا فى جمهورية التشيك الحالية  وتلقى تعليمه فى مدينة برونو وعمل فى رسم الإعلانات التجارية فى مورافيا أثناء دراسته  لأنه  برع فى الرسم كهواية منذ الصغر ثم رحل بعد أن أكمل دراسته  إلى فينا حيث عمل فى مكتب ديكور يقوم بتنفيذ الديكور والخلفيات المسرحية  لكنه عاد إلى مورافيا بعد أن أحترق المكتب الذى كان يعمل به. وبعد أن قام برسم بورتريهين للثرى الألمانى كارل خون واعجب بهم دعاة  لأن يعمل كمدرب فى أكاديمية  ميونخ للفنون الجميلة.
كان الفونسو موكا مازال يشعر بأنه ينقصه شىء فقرر أن يرحل لباريس ليكمل دراسته  هناك عام 1887 حيث درس فى أكاديمية جوليان ثم أكاديمية كلاروسى على التوالى. وعمل بعد ذلك فى باريس فى شركات الإعلانات يقوم برسم الأعلانات وعمل البوستر وكان موعده مع الشهرة  فى باريس عام 1894 حينما كانت أسطورة المسرح الفرنسى سارة برنار تعد لمسرحيتها الجديدة «جيزموندا» لفكتورين ساردو وبسبب الأفتتاح المفاجئ لم يكن بوستر المسرحية الذى يحمل بورترية سارة برنار جاهزا ولم يكن هناك غير أسبوعين على افتتاح المسرحية  وكانت مغامرة بالنسبة لموكا أن يقبل ان يصمم ويرسم البوستر فى هذا الوقت الضيق لكنه  نجح وفى خلال أيام امتلأت باريس بإعلان مسرح الرينيسانس الذى يحمل صورة سارة برنار ويحمل أمضاء الفونسو موكا ولشدة نجاح البوستر أعجبت به  سارة برنار كثيرا وقررت أن توقع معه  عقد بست سنوات من هنا طارت شهرته  وأصبحت لوحاته  والبوسترز الخاص به  ملء الأبصار فى باريس بل وفى كل أوربا مما جعل الباريسيون يطلقون على أسلوبه  «الفن الجديد».
وبعد أن عاد موكا لبراغ عام 1906 تزوج من موروسكا شاتليوفا وأنجب ابنته  جيروسلافا وابنة  جيرى الكاتب المعروف فيما بعد وبعد أن قضى فترة  فى أمريكا عاد مرة أخرى لبراغ وقام بدعم الحكومة  بفنه  وتصميماته  وقام بعمل الديكور لعدة أماكن عامة «مثل البافاليون» كما أنه  كان شديد الوطنية  لدرجة أنه  اختير لرسم موتيفات الوثائق الرسمية والطوابع البريدية  بل والعملة  الورقية  أيضا.
ومع صعود الفاشية ودخول إلمانيا للتشيك كانت الأوامر هى تصفية معظم الشخصيات الوطنية وفى عام 1939 اعتقل الجستابو الألمانى موكا مع مجموعة  من الشخصيات التشيكية  والسلوفاكية وكان مصابا بالتهاب رؤيا مما أدى لوفاته  بعد استفحال المرض.
وهكذا رحل فنان صدر للمخيلة البشرية شكلا تخيليا للمرأة الحلم غير الموجودة بالمرة  فوق أرض الحقيقة.