أ.د. رضا عوض
علماء الحضارة الإسلامية.. ابن النفيس
هو علاء الدين أبوالحسن بن أبى حزم بن النفيس القرشى الدمشقى والمعروف بابن النفيس عالم عربى ولد فى قرية قرشى بالقرب من دمشق بسوريا عام 1213م وأتمّ دراسة الفقه والحديث وعلوم اللغة العربية بحمص ثم عزم على دراسة الطب فرحل إلى دمشق ودرس الطب بمستشفى (بيمارستان) النورى على يد الطبيب المشهور مهذب الدين عبد الرحيم والمعروف باسم الدخوار، وكان من زملائه فى دراسة الطب العالم الإسلامى الكبير ابن أبى أصبيعة وخلال عشر سنوات أصبح علاء الدين أبوالحسن طبيباً مشهوراً فى دمشق وأصبح معروفا فى بلاد الشام باسم ابن النفيس.
فى عام 1223م رحل ابن النفيس الى القاهرة عاصمة الدولة الأيوبية فى ذلك الوقت وكان الكامل محمد هو ملك هذه الدولة، وأراد الملك الكامل أن يعزز البيمارستان الناصرى الذى بناه صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة بصفوة من الأطباء فى دمشق، فقدّم إليه عدد من الأطباء كان من بينهم عبد اللطيف المهندس ويوسف السبتى، وابن أبى أصبيعة وفى طليعتهم عالم الطب ابن النفيس. وكانت القاهرة تشهد فى ذلك الوقت نهضة طبية عظيمة ولقد عرفت مصر فى ظل الإسلام طائفة من الأطباء العظام على مر العصور كان من بينهم ابن رضوان والحسن ابن زيرك وابن طفيل وابن رحمون والشيخ السديد وابن ميمون وابن البيطار.
بدأ ابن النفيس العمل فى البيمارستان الناصرى وعمره ثمانى وعشرون عاماً وأصبح كبيراً للأطباء، وبجانب عمله كطبيب بارع بدأ ابن النفيس فى كتابة مؤلفاته التاريخية فى الطب ففى عام 1242م نشر كتابه الشهير «تعليق على كتاب ابن سينا فى التشريح»: ضمّ هذا الكتاب اكتشافه التاريخى عن الدورة الدموية الرئوية وشرايين القلب، وذلك قبل اكتشافها بواسطة العالم الإنجليزى ويليام هارفى بأربعمائة عام. وبعد ذلك الّف موسوعته الشهيرة بعنوان «الشامل فى الطب» تقع فى ثلاثمائة جزء لم يُقّدر له أن يكتب فيها سوى ثمانين جزءا، وهذه الموسوعة تعتبر من أكبر الموسوعات فى تاريخ الطب البشري.
حزن ابن النفيس حزناً شديداً عندما سقطت مدينة بغداد فى أيدى المغول عام 1258م وتدمير الكتب النفيسة فى مكتبة بغداد، وكذلك سوريا عام 1259م، وتبدّد هذا الحزن عندما هُزم المغول فى معركة (عين جالوت) عام 1260م بقيادة الظاهر بيبرس والتى أعقبها نهضة علمية كبيرة وعظيمة فى مصر وسوريا لتعويض ما فقدته بغداد من التراث العلمى بعد غزو المغول لها. وبين عام 1260م–1277م أصبح ابن النفيس طبيباً خاصاً للسلطان بيبرس ولقد قرر ابن النفيس أن يجمع كل ما وصل إليه الطب فى زمانه فى موسوعة طبية واحدة تضاهى موسوعة «الحاوى» لأبى بكر الرازى، ثم كتب موجزاً أسماه «الموجز فى الطب». وألّف كتاباً مهماً فى تغذية المرضى بالأمراض المختلفة سماه «المختار من الأغذية»، وكذلك كتاباً مهماً فى علم التشريح هو «شرح تشريح ابن سينا».
وفى عام 1272م نزل وباء بأرض مصر راح يفتك بالنساء والأطفال والرجال، فقاد ابن النفيس حملة للقضاء عليه حتى انتصر عليه فى النهاية فنال شهرة ومكانة مرموقة لدى حكام مصر وشعبها وأصبح يلقب بأبوالعلاء القرشى المصرى واختار ابن النفيس جزيرة الروضة لإقامته فبنى بها بيتاً كبيراً جعله ملتقى لأهل العلم والفقه. ولقد استفاد علماء أوروبا من نظرية ابن النفيس ففى هذه الفترة كانت الجامعات الغربية فى أوروبا آخذة فى الظهور وفى مقدمتها جامعة بادوا الإيطالية. فى منتصف القرن السادس عشر تُرجم كتاب ”شرح تشريح ابن سينا“ لابن النفيس إلى اللاتينية بواسطة الطبيب الإيطالى ”الباجو“، ثم جاء وليام هارفى الإنجليزى فى القرن السابع عشر وكان قد تخرج فى جامعة «بادوا» فوصف الدورة الدموية الكاملة «الصغرى والكبرى» مسترشداً بماجاء فى كتاب ابن النفيس، وفى العقد الثالث من القرن العشرين قدم العالم المصرى الدكتور «محيى الدين التطاوى» فى أثناء دراسته للطب فى كلية طب برلين مفاجأة وهى عثوره على مخطوط شرح «تشريح ابن سينا لابن النفيس» وبه شرح كامل للدورة الدموية الصغرى.
وتقدم الدكتور التطاوى فى عام 1924م برسالة جامعية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة فرايبورج بألمانيا موضوعها «الدورة الدموية تبعاً للقرشى» وفيها يقول إن ابن النفيس هو المكتشف الأول للدورة الدموية الصغرى فى القرن الثالث عشر أى قبل «هارفى» بأربعمائة عام، وبناءً عليه قام «جورج سارتون» بنشر هذا الخبر فى مؤلفه الضخم فى تاريخ العلوم، فعاد نجم ابن النفيس للظهور بعد أن خبؤ ضوئه سبعة قرون كواحد من العباقرة المكتشفين العظام.
عندما بلغ ابن النفيس أربعا وسبعين عاما كلفه السلطان قلاوون مؤسس دولة المماليك البحرية ببناء بيمارستان جديد بالقاهرة هو البيمارستان المنصوري. عاش ابن النفيس فى القاهرة ستاً وخمسين سنة، وشهد خلال عمره بمصر أواخر الدولة الأيوبية ودولة المماليك البحرية من بدايتها الى نهايتها، وقيام دولة المماليك البحرية التى أسّسها السلطان قلاوون. لم تقتصر شهرة ابن النفيس على الطب بل كان يُعَدّ من كبار علماء عصره فى اللغة والفلسفة والفقه والحديث وله كُتُب فى غير المواضيع الطبية بما فيها ”الرسالة الكاملية فى السيرة النبوية“ وكتاب فاضل بنى ناطق الذى جارى فيه كتاب حى بنى يقظان لابن طفيل، ولكن بطريقة لاهوتية لا فلسفية.
وكتبه الطبية «المهذب فى الكحالة»، «المختار فى الأغذية»، «الموجز فى الطب»، «بغية الفطن فى علم البدن»، و«شرح تشريح القانون» تُبيّن أن ابن النفيس قد سبق علماء الطب إلى معرفة ووصف الدورة الرئوية قروناً قبل عصر النهضة، وتُوفِّى ابن النفيس فى عام 1288م بعد أن أوصى بما يملك من ماله ومكتبته وبيته للبيمارستان المنصورى. ولقد أطلق عليه علماء الطب الحديث الآن أنه أعظم علماء وظائف الأعضاء فى العصور الوسطى وأبوعلم وظائف الدورة الدموية.
أستاذ الروماتيزم -كلية طب الأزهر