الضخامة الهيراكلية إحدى سمات النموذج الذكورى عند روبنز

أن أهم ما يميز أى عصر من العصور الفنية هى قضية المقاييس الفنية والنظريات الفنية التى يستخدمها فنانو هذه العصر وربما كان اهم ما يميز عصر الباروك او الحلقة الثانية من عصر النهضة هو الاتكاء الشديد على تحديد المميزات الجسدية لدى الموديل وهذا ليس بمعنى ان يكون الموديل يقترب للكمال التكوينى حتى يصبح وحده فنية قياسية تشكل مثالا بالطبع لا لأن فنانى عصر الباروك اهتموا باظهار المميزات الشخصية لكل موديل استخدموه حتى ان كلمة باروك نفسها تعنى الجوهرة المثقولة من هنا نستطيع ان نقول ان الباروك كان محاولة لثقل نموذج الرينيسانس بازميل الواقعية والفروق الشخصية ويمثل فنانا العظيم روبنز خصائص هذا العصر بكل ما فيه أولا اتجاهه للتصوير العارى حتى فى بعض الموضوعات الدينيه والذى يمثل فيها مرحلة ما قبل الانتكاسة التى تسببت فى طرح هذا النموذج فيما بعد لكن روبنز يتميز بأن له مقاييس خاصة جدا تميزه عن معظم فنانى عصر حتى تلاميذه المقلدين له مثل الفنانa أريك فان دايك فنحن نرى انه قفز بالمقاييس البشرية نحو النموذج الفلامنكى اذا جاز التعبير وابتعد بشدة عن النموذج الرومانى او الإيطالى للجسد البشرى اى ببساطة تخلى عن الرشاقة المعهودة واتجه الى النموذج الذى كان أمامه من حيث الامتلاء بل والضخامة فى بعض الأحيان بمعنى أننا نجد ان نساء روبنز مثلا أكثر امتلاء من ناحية الأرداف والأفخاذ مع الاتجاه لتصغير حجم الصدر قياسا بالجسد كما اننا نجد ايضا أمتلاء بل وسمنه من ناحية البطن فاذا اخذت نموذج من الموضوعات المتكرره التى صورها روبنز وجدنا ان فينوس عند روبنز مصابه بشيء من السمنه بالمقارنه بفينوس عند دافنشى مثلا فهى شديدة الرشاقة ولا يتجه روبنز الى تنحيف نسائه اذا جاز التعبير الا عندما يصور السيدة العزراء فقط او حينما يمليه عليه الصدق والواقعية بالنسبة للبورتريهات الشخصية وبخلاف ذلك تكون المقاييس الأنثوية لروبنز اميل للنموذج الممتليء ومن ناحية النموذج الذكورى نجد ان رجال روبنز يتميزون بالنزعة والمقاييس الهرقلية «نسبة الى هيراقليس» فهم يميلون للتكتل والتضخيم العضلى بغض النظر عن التناسق فى بعض الأحيان و احيانا يصل الموضوع لحد الوحشية فاذا قارنا النموذج الذكورى لروبنز بالنموذج الرومانى مثل تمثال الملك ديفيد لمايكل انجلو مثلا وجدنا التناسق والرشاقة والإنسيابية عند انجلو تعنى القوة وهو يعكس بذلك المحاكاة للنظرية الأغريقية والرومانية للنموذج الذكورى لكن روبنز يتبنى فكرة التكتل العضلى ليعبر عن القوة كما قلنا.
ولد بيتر بول روبنز فى 28 من يونيو 1577 فى ويستيفليا فى بلجيكا وكان والده جان روبنز من اتباع المصلح البروتوستانتى جون كالفن مما دفعهم هو ووالدته ماريا بيبلنكس للانتقال من انتويرب الى كولن واصبح والده مستشارا لدوق البا وعشيقا للدوقة أنا دوقة ساكسونيا وبعد ان مات  والده عادت والدته واصطحبته الى انتويرب مرة اخرى حيث تربى تربيه كاثوليكية دينية وتلقى تعليما ادبيا فدرس اللاتينية والآداب القديمة ودخل تجربته الفنية الأولى بعد ذلك حيث تتلمذ على يد فنانين من عصره محليين لكن لهم شهرة مثل «ادم فان نورت» و«أوتتا فان فين» كذلك معلم وفنان عبقرى هو مارك انتونيو رايموندى والذى كان شديد التأثر بفنان عصر النهضة رافايللو سانزو وبعد ان حصل على اجازة من كلية القديس لوكا فى الفنون سافر فى رحلة الى ايطاليا عام 1600 وزار فنيتسيا وتعرف بأعمال فنانى عصر النهضة العباقرة امثال فيرونيزى وتينتوريتو ثم اكمل رحلته الى مانتوا حيث استقر فى بلاط دوق مانتوا فينشينزو الأول والذى ساعده ماديا حيث سافر الى روما مرورا بفلورنسا المدينة التى ولد فيها عصر النهضة والتى انجبت نوابغ هذا العصر أمثال دافينشى ومايكل انجلو ودرس فى روما أعمال النحت الكلاسيكية اليونانية والرومانية وقام بعمل مستنسخات لها «ونلاحظ ان هذا اثر بشكل كبير فى اعماله كما قام بعمل مستنسخات لبعض أعمال كارفاجيو الفنان الأيطالى وفى بلاط دوق مانتوا قام بأعمال فنيه عديده مثل «موت العزراء» المحفوظة فى متحف اللوفر فى باريس . ولقد اثرت فيه كثيرا البعثة الفنية التى ارسل فيها الى انتويرب 1603
وفى عام 1609 تزوج روبنز من ايزابيلا بارنيت ابنة اشهر مواطنى انتويرب جان بارنيت وفى العام التالى صمم منزلا خاصا به واستوديو على الطراز الإيطالى وهذا المنزل الأن هو متحف روبنز واصبح له تلاميذ كان لهم دورهم فيما بعد مثل الفنان الشهير انتونى فان دايك وجان برويجل
وفى هذه الفترة اجنز اعمالا شهيرة مثل لوحته المشهورة «رفع الصليب» واشترك مع صديقه بالتازار موريتويس فى ابتداع تقنية جديدة للنسخ والطباعة.
وفى عام 1621 كلف من قبل ملكة فرنسا ماريا دى ميديتشى والملقبة بأم فرنسا كلفته بعمل لوحات لتزيين قصر لوكسومبورج فى باريس وتكون موضوعها قصة حياتها وبالفعل قام باللوحة الاولى والمحفوظة الآن فى اللوفر ولكن هذا العمل لم يكتمل لأن ماريا دى ميديتشى قام ابنها لويس ال13 بنفيها حيث قضت بقية حياتها وماتت فى نفس المنزل الذى تربى فيه روبنز وتعقب هذه المرحلة مرحلة شديدة الأهمية فى حياة روبنز حيث يتم ارساله فى عدة مهام دبلوماسية فتهيأ له ان تنتشر اعماله فى معظم القصور الحاكمة فى اوروبا  آنذاك فيذهب من اسبانيا الى انجلترا الى هولندا وفى اسبانيا هذه المرة يتعرف بالفنان الأسبانى الشهير ديجو فيلاسكيز ثم يذهب الى لندن و يقوم بعمل لوحة رمزية عن الحرب والسلام «وهى احدى مقتنيات الناشيونال جاليرى فى لندن».
وفى العقد الأخير من عمره وفى عام 1630 يتزوج للمرة الثانية من هلين فيورمينت التى تبلغ من العمر 17 عاما وتصبح هيلين فى العشر سنوات الأخيرة هى الموديل والمثال الحسى فى معظم لوحاته مثل لوحة «عيد فينوس» و«الحسان الثلاثة» وينجب منها ثلاثة ابناء وفى عام 1635 يبتاع مقاطعه ريفية بالقرب من اتيورب «شاتيو دى ستين» ويعيش فيها باقى حياته وبتالى يظهر تأثير الطبيعة والريف فى كل لوحاته الأخيرة.
وفى 30 مايو 1940 يموت روبنز نتيجه لمرض النقرس تاركا وراءه تراثا فنيا ضخما لا يقدر بثمن.
واذا وضعنا روبنز فى ميزان التقييم الفنى وجدنا انه من الفنانين الذى يمثلون قمة النضج فى المرحلة الثانية من عصر النهضة والذى يطلق عليها اصطلاحيا  «عصر الباروك» والذى تظهر فيه المؤثرات الأوروبية التى تمثل انتشار عصر النهضة فى اوروبا كلها بعد الشرارة التى اطلقتها ايطاليا لأحياء مآثر العصر الرومانى والفنون القديمة.