الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاريو دى فلاسكو فنانة انطباعية تدخل إلى عوالم الواقعية السحرية

روزاريو دى فلاسكو فنانة انطباعية تدخل إلى عوالم الواقعية السحرية






أحيانا يغفل تاريخ النقد أسماء بعينها كبيرة وعملاقة مثل فنانتنا الرائعة الأسبانية روزاريو دى فيلاسكو والذى يلقبها الناقد الأيطالى فولفيو سكالبى بلقب - سيدة الواقعية السحرية فى الفن الأسبانى - ولعل تصنيفها فى إطار الواقعية السحرية فقط هو من قبيل التجاوز فهذا يحدها فى مدرسة واحدة مع أنها تقلبت وأبدعت فى مدارس عدة ولعل ما يعرف بالعودة للتقليدية فى الفن التشكيلى مع بعض التحفظ على النسب قد ينتمى لهذه الفنانة الكبيرة روزاريو دى فيلاسكو، وحتى نستطيع الدخول لأعمال روزاريو علينا أن نوضح ما المقصود بالتقليدية فى الفن التشكيلى والمقصود بالواقعية السحرية، تمثل روزاريو دى فلاسكو أحد أهم امثلة الواقعية السحرية فى القرن العشرين لعدة أسباب أهمها أن دى فلاسكو حاولت أن تجعل من الواقعية محاولة لإعادة بعض مبادئ الفن المتزن والملتزم فى فترة انتشر فيها الخروج عن المألوف ومع ان العرى لم يكن دائما خيارا لا أخلاقيا فى الفن إلا أن روزاريو قد ابتعدت عنه تماما وكانت أعمالها أحيانا صادمة فلقد طبقت التزامها تجاه الفن دون أن تحيد ولو مرة واحدة حتى فى الموضوعات التى كان العرى فيها مسلمة لا نستطيع تجاهلها نفذت التزامها تجاه الفن وقامت بما قد يعرضها للانتقاد ولعل هذا أخرج منها أحد أعظم أعمالها وهى لوحة آدم وحواء والتى حازت بها المركز الثانى فى المعرض الوطنى بأسبانيا عام 1932 ورغم كل الانتقادات التى وجهت للوحة فأن الحكام فى هذا المعرض الذى كان من بينهم فنانون كبار قد قرروا أنها تستحق الجائزة الثانية وكان أهم هذه الانتقادات ما سقناه مسبقا تخليها عن العرى فى موضوع لم يحدث أبدًا فى تاريخ الفن التشكيلى أنه تم تناوله بدون عرى لأنه كما نعرف أن الرجل الأول والأنثى الأولى عاشا فى الجنة دون أى ملابس كما هو معروف فى الحكى الشعبى أو فى السرد فى الكتب المقدسة لكن أصرار روزاريو على التزامها دون العرى وروعة التصوير جعل من اللوحة تحفة بكل المقاييس ولعل الكثير من الذين يشاهدون اللوحة دون أن يعرفون اسمها يبتعد ذهنهم تماما عن هذا المسمى الذى يصف اللوحة أى أدم وحواء لكن روزاريو أرادت أن تعبر ببساطة عن السعادة والخلو من الهموم الذى يعيشه آدم مع حواء فى جنة عدن وهذا يمثله وضعات الأجساد التى تمثل رجل وامرأة فى لحظة مرح وسعادة وربما حوار والأرضية التى تمثل زهورا وورودا تعبر عن الجنة بشكل او بآخر ولعل وجود الشخصيتين فى ملابس حديثة بالنسبة للعصر الذى أنجزت فيه اللوحة يعتبر أيضا تعبيرا عن أن أدم وحواء فكرة قد تنسحب على كل العصور هى الرضا والأريحية فى علاقة بين رجل وامرأة، نلاحظ فى هذه اللوحة بالذات لوحة أدم وحواء ثورة فى المقاييس والتى ربما كانت تداعب كل فنانى أسبانيا فى هذه الفترة سواء الباريسيين منهم أو فنانى الوطن الأم فإذا نظرنا لمقاييس الرأس فى الشخصيتين بالنسبة لمقاييس الجذع وباقى الجسد نجدها ازدادت حجما بنسبة بسيطة لكن هذه النسبة قد تزيد كثيرا إذا نظرنا لمقاييس الأقدام وخاصة أقدام آدم والتى تقترب كثيرا للمقاييس الهيراكلية وتبتعد عن النسبة الواقعية بالنسبة للقدم العادية. تعرضت روزاريو للهجوم فى هذه الفترة مع أنها فازت بالميدالية الثانية وربما هذا ما دفعها للرحيل لبرشلونة حيث مارست بجانب الفن التشكيلى نشاطا سياسيا وثقافيا متنوعا بجانب الفن التشكيلى وحتى أثرت عليها هذه الأنشطة فى أثناء الحرب العالمية الثانية فكانت قريبة من الموت حتى هربت لفرنسا من المنطقة الحدودية مع زميلها زافير فاريرونس الذى تزوجته فيما بعد، نستطيع أن نستشف أن بدايات روزاريو كانت مع الانطباعية الجديدة التى مارستها بكل تقنياتها فى أوائل ظهورها كفنانة تشكيلية وتمثل هذه المرحلة لوحتها الشهيرة – المزارع - والتى تطبق فيها كل تقنيات الانطباعية الحديثة فى بدايتها ومن ثم لم يكن من الصعب عليها ككل فنانين هذه المدرسة الانتقال للواقعية الجديدة والتى يطلق عليها الواقعية السحرية، ظلت روزاريو مخلصة للمدرسة التقليدية حتى ولو بقدر ضئيل خصوصا فى اختيار بعض الموضعات فلوحاتها الشهيرة – أمومة – تعتبر مثالا على استمرار طقس المدرسة التقليدية فى أعمال روزاريو دى فيلاسكو وأيضا لوحة الطفل والأرنب والتى تمثل أيضا نفس الاتجاه، تعددت رؤى روزاريو دى فلاسكو التشكيلية فأحيانا كنا نجدها قريبه من الطرح الحداثى فى العديد من أعمالها أن لم نستطيع ان نضم آدم وحواء لبدايات الحداثة فأن أعمالا كثيرة تعبر ذلك مثل - الكرنفال - والمرأه تظفر شعرها – بخصوص اللوحة الثانية التى تسير فيها روزاريو على نهج ثورة المقاييس نستطيع أن نقول ان روزاريو كانت تسير جنبا إلى جنب مع فنانى أسبانيا الباريسيين مثل بيكاسو خصوصا فى مسألة المقاييس والتقنيات اللونية وحيث نستطيع أن نرى بيكاسو ذاته فى أعمال روزرايو فيما قبل التكعيبية وربما أيضا استلهم كل منهما الآخر على افتراض قوة وسائل الاتصال فى هذه الفترة، ولدت روزرايو دى فلاسكو فى مدريد عام 1904 فى مدريد وفى سن صغيرة منذ الخامسة عشرة درست على يد فيليب دى فرناندو المعلم الشهير والذى درس عليه الكثير من فنانين أسبانيا وكانت ضمن زمرة ما يعرف بفنانى الواقعية السحرية على الرغم من تمسكها دائما ببعض طقوس المدرسة التقليدية كما قلنا، كانت أحدى الناشطات أثناء الحرب العامية الثانية فيها عرف بجماعة برشلونة وكانت على وشك أن تقتل لولا أنها هربت مع زوجها فيما بعد زافير فاريرانوس لفرنسا لكنها فيما بعد عادت لأسبانيا وتوقفت تماما عن النشاط السياسى وتفرغت للفن، عاشت روزاريو حياة أسرية مستقرة وأنجزت الكثير فى مشوارها الفنى حتى أن أعمالها أصبحت مقتنيات للمتاحف الكبرى مثل متحف بومبيدو فى باريس والمتحف الوطنى فى اسبانيا . توفيت روزاريو دى فيلاسكو فى عام 1991 وكانت أحدى دور العرض قد باعت لوحة لها بقيمة 11 مليون يورو.