الثلاثاء 8 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رتيبة  محمد شلف

رتيبة محمد شلف






على أنغام الربابة.. وفى إحدى القرى الريفية..جمع «الراوى» بربابته أهل القرية حوله لينصتوا بشغفٍ لتقاطع كلماته مع القوس والوتر.. وهى تحكى بصدق أنينها «حكاية رتيبة محمد شلف».. وعلى الربابة تبدأ حكايتنا.. نحكى ونزيد سيرتها للكل ليأخذوا منها شاهدًا ودليلًا..
«كانت زينة البنات.. بملامح ريفية تميل بأصالتها لهدوء الريف، وعين بذكائها تحكى عن قوة التأثير، ولسان ببساطة كلماته كان يحاكى الجميع.. فيهزم بطلاقته كبار الرجال.. وعقل كان من التعليم نصيبه قليلًا.. لكن رجاحة عقلها وفطنته كانت لسيطه مواويل.. كانت بحكمتها وعقلها تزن أمور الرجال.. ولأن لكل واحد من اسمه نصيب.. كان لـ«رتيبة» النصيب.. فكانت كالجبل ثابتة فى مكانها وعلى موقفها.. حكايتنا يا سادة تبدأ فى حضن قرية ريفية بسيطة فى محافظة المنوفية.. كان لها الحظ فى أنها على حكاية «رتيبة» تكون الشاهد والدليل.. تزوجت»رتيبة» وهى ١٧ سنة من عامل بسيط فى مدرسة.. على الحلوة والمرة عاشوا مبسوطين.. رزقهم ربنا بـ ٦ أبناء.. ومرت الأيام وبالرغم من ضيق الحال ..الستر كان جدران.. ولأن ربك كرمه كبير.. كرم «رتيبة» بحسن التدبير.. لحد يوم مشئوم نفذ قضاء الله ومات زوجها فجأة..وترك «رتيبة» بمعاش بسيط تواجه وحدها المصير.. «رتيبة» وقتها كانت ٢٦ سنة.. كانت صبية وحلوة.. وقتها قالت «رتيبة» لنفسها الحمل حمل كبير..لكن ربك هوالمعين.. صحيح «رتيبة» اتحرمت من التعليم..لكن كانت عارفة أن قيمة الإنسان من قيمة تعليمه وعلمه.. فوهبت حياتها لحلمها الكبير.. وهوحلم التعليم.. كان نفسها ولادها يكونوا كلهم «دكاترة «.. صحيح الإيد قصيرة والعين بصيرة.. والمعاش بالكاد يسد الجوع.. لكن عقل «رتيبة» كان بفطنته عارف أن لكل مشكلة حلول.. والحل كان أن «رتيبة» تتحدى الظروف.. وبنفسها تصنع لبكرة الأمل.. ولا تنتظر عطف القريب والغريب.. واتعلمت «رتيبة» الخياطة وبدأت تخيط لستات البلد.. ويوم بعد يوم.. وبقوتها وتعبها قدرت تربى وتعلم وتوجه.. كان حال يومها تغرس بحنانها فى عقول أولادها التعليم ثم التعليم ثم التعليم.. كانت تقولهم: «أملى تكونوا دكاترة».. ولأن هى ست مكافحة وربنا كان كريم.. ولادها تعبوا وذاكروا واجتهدوا.. واتخرج منهم (أحمد، ومحمود، والسيد) ثلاثة أطباء من مدرسة المتفوقين طب قصر العيني.. و(صابرين ومحمد) معلمو أجيال.. و(نجوى)  المحاسبة.. «رتيبة محمد شلف» كانت نموذجًا  للست المصرية الريفية المكافحة.. حاربت ببساطتها وحبها للتعليم جهل الريف بعاداته وتقاليده.. بالرغم من أنها كانت شابة حلوة وقت وفاة زوجها.. وكانت عادات وتقاليد الريف “إن ضل راجل ولا ضل حيطة”.. رفضت «رتيبة» الزواج وارتدت ثوب الرهبنة بعد وفاة الزوج.. كان من الممكن تقول نفسى وأنا صغيرة.. أو كان ممكن تكتفى بمهمة سد الجوع.. لكن هى قررت تضرب بوعيها نموذجًا للتحدى والكفاح.. قررت تربى وخرجت (٣ أطباء) من وسط ضيق الحال.. كانت «رتيبة» حديث أهل القرية فسموها (أم الدكاترة).. ولأنها كانت مثالية فى التربية وتحدى ظروف الحياة.. كانت”رتيبة محمد شلف” الأم المثالية الأولى على محافظة المنوفية.. حكاوينا مكتوبلها تستمر وتنتقل من لسان للسان.. هنقول ونحكى على الربابة ونفتكر مع بعض... فى كل قرية وكل ركن فى مصر.. حكاية كفاح كل ست كانت بقصتها فخرًا لمصر.. ولأن الربابة لسان للحق.. فالحق بيقول إن الشكر والتقدير واجب لمن عَلمَت بكفاحها كبار الرجال.
ملحوظة : هذه القصة لم تكن من وحى خيال الكاتبة.. هذه القصة هى سرد أحداث أجزاء حقيقية لقصة جدتى لأمى “الأم المثالية رتيبة محمد شلف”.. التى افتخر بأن أكون من أحفادها.. فكنت أكثر حظاً دون باقى أحفادها.. أن أجالسها طويلاً لأتعلم منها معنى الصبر والإصرار والكفاح والأمل والشجاعة.. وكيف تتحدى المرأة بقوة إرادتها ظروف الحياة وتحارب بشجاعتها جهل المجتمع.. وكيف تكون للإرادة معنى ولحلاوة الصبر طعم الفرح.. وكيف يكون للمتعلم بعلمه قيمة وقامة.. وكيف أن (للأم) رسالة عظيمة، فهى التى تغرس بحنانها القيم داخل الأبناء، فتربى الأجيال وتبنى المجتمع.. فلم تتوقف رسالة «رتيبة» عند حد تعليم أبنائها فحسب، بل امتدت جينات وعيها وحبها للعلم والتعليم لتصيبَ بقوة عصب الأحفاد.. فتنتج بغرسها جيلاً آخر من الأطباء وأساتذة الجامعة والمثقفين.. جيل وراء جيل يوَرِث فى جيناته ما زرعته «رتيبة» بوعيها من حب للعلم والتعليم.
رحم الله كل أم جعلت من رسالتها «صدقة جارية» ينتفع بها جيل بعد جيل.. رحم الله جدتى «رتيبة» وجعل كل ما غرسته وعلمته فى ميزان حسناتها.. فإن عجزت الكلمات عن سرد كل عطائها ومشوار كفاحها.. فيكفى أن «رسالتها» ستظل إرث الفخر لنا.. دمت بخير آمنة ومطمئنة فى دار الآخرة.. ودامت أمى وكل أم مصرية مكافحة بخير.