الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قناع التجهُّم.. وذبول الروح.. ومسارب الإرهاب

قناع التجهُّم.. وذبول الروح.. ومسارب الإرهاب






لست أدرى لماذا التمسك والإصرار من علمائنا وشيوخنا؛ بل قساوسنا أيضًا؛ على التمسك بارتداء قناع التجهُّم والعبوس؛ والعمل على تلقين البشرـ فى كل حديث فى المسجد أو الكنيسة ـ  مبادئ «فلسفة الموت» والترهيب من «عذاب القبر» و«الثعبان الأٌقرع» والتلويح بالمثول فى عذاب «جهنم» سبعين ألف سنة؛ وهى التى يومها بألف سنة مما يُعدُّون!
لقد قام علماء الإسلام فى العهود التى اتَّسمت بظهور جماعات التنويريين منهم؛ بالتحذير من نشر الفتاوى التى تغرس بذور أشجار اليأس والإحباط؛ وقتل تطلعات الأمل والطموح فى حياة أبناء «آدم» على اختلاف عقائدهم وقناعاتهم وتوجهاتهم؛ ومحاولة تشويه علاقتهم بكل الشفافية بينهم وبين الله عز وجلَّ؛ بديلاً عن ضرورة الاجتهاد فى تلقين «فلسفة الحياة» التى تعمل على بث روح العزيمة والحب و النقاء فى النفوس؛ من أجل  الخروج من المراحل التى تعانى فيها الأمة العربية من مرحلة الركود الحضارى؛ والاستسلام لما يمليه عليها الغرب ــ المتربص بمكتسباتها الدينية والدنيويةــ من توجهاتٍ لا تتفق والروح السمحة فى تعاليم الدين والعقيدة.
 لقد رفض العلماء الأفاضل الذين يفهمون مدى جمال وصفاء ونقاء الروح الإيمانية؛ مظاهر التديُّن الشكلى المتشدِّد التى ما أنزل الله بها من سلطان؛ باختزال العقيدة فى مظاهرالجلباب القصير واللحية الكثيفة والوجه العبوس واختفاء النساء خلف وشاح الانتقاب بالنسبة للمسلمين؛ أو «وشم الصليب» على الأيادى والصدور والتردد على «دروس الأحد» بالكنائس بالنسبة للمسيحيين، لأن الأديان السماوية ومفاهيم العقائد الصحيحة؛ لا يُفترض لها أن تخضع لتلك الشكليات بهذا التقوقع خلف تفسيرات متطرفة غير منطقية لـ«كتب التراث» وكتابات المجتهدين فى مختلف العصور؛ دون مراعاة لظروف اختلاف الزمان والمكان والأحداث والتطورات العلمية والتكنولوجية التى تفرزمتطلباتها الآنية أولاً بأول؛ دونما التقيد بظروف وملابسات فعاليات الأحداث فى الماضى البعيد؛ فلكل زمان ومكان فلسفته الخاصة لأساليب الحياة، مع ضرورة الاحتفاظ بعلاقات الحب والتسامح بين النفوس البشرية على اختلاف انتماءاتها الدينية والعقائدية.
ترى.. هل نسينا قول النبى صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمك فى وجه أخيك صدقة»؟، فهو يدعو إلى التمسك بخصال الابتسام والبشاشة التى تفتح أبواب القلوب وتجلب الخير والأجر والمثوبة للمتعاملين بها، ويجب ألا ننسى ماجاء فى الإنجيل على لسان السيد المسيح عليه السلام : «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (إنجيل متى 5: 44)، فهى كلمات ذات دلالات واضحة لا تخرج عن مفاهيم الحب والبشاشة والابتسام حتى فى وجه من يناصبوننا العداء والكراهية، فهذه السلوكيات السامية كفيلة بردع كل كارهٍ وحقود؛ ممن يعتنقون مبادئ التطرف الذى يصل بالشخص إلى مسارب الإرهاب وسفك الدماء باسم الدين.
إن التجهُّم والعبوس فى المظهر لا يعنى الزهد والتقشف واللباس الخشن؛ ولايؤدى بالفرد إلا إلى دخول متاهة دروب الانكفاء على الداخل ـ كما يقول علماء النفس والعلوم الاجتماعية ـ والإطاحة به ـ قسرًا ـ إلى الانعزال بعيدًا عن شركاء الحياة والمجتمع، ويقول الحق سبحانه وتعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين»( القصص77 )، والتمعن فى تلك الآيات المباركات؛ تشير إلى ضرورة الانخراط والتواصل بالإحسان بكل الحب والنقاء الصادق مع من حولك؛ واغتنام النصيب «الحلال» لما قسمه الله لك فى رحلة الحياة الدنيا؛ فهذا قمة الشكر والانحناء أمام نِعَمْ الله والاعتراف بفضائله فى تذوق جمال وحلاوة الابتسام فى وجوه إخوتك فى الإنسانية، ودومًا نردد العبارة الشهيرة التى تقول إن: «الابتسامة.. مرآة الروح»!  
أعلم ـ كما تعلمون ـ أن السلوكيات البشرية فى جوانب معاملات المجتمع كافة؛ تصير بمثابة «العدوى» التى تنتقل إلى سائر أفراد المجتمع إيجابًا وسلبًا، لذا.. فالأحرى بنا وبسلوكياتنا أن ننتهج منهاج الرضا القلبى والروحى والتصالح مع النفس؛ لتنعكس صورتنا فى مرآة الجمال؛ فتزداد جمالاً على جمالها.
ليتنا نودِّع مظاهرالتجهُّم والعبوس التى تعمل ـ مع الوقت ـ على «تكلس وانقباض» عضلات الوجه؛ واستبدالها بالابتسامة التى تُعد لغة عالمية بلا حروفٍ أبجدية؛ تفهمها وتعتز بها شعوب الأرض قاطبة، فهى  كما يقول العلماء ـ تعمل على تقليل إفراز هرمون الإجهاد والتعب والتوتر، وتساعد الفكر والعقل على التأنى فى اختيار الكلمات المناسبة فى أصعب الظروف والمواقف.
لا نريد ابتسامة متكلفة باهتة؛ تشبه إعلانات أطباء الأسنان عن عياداتهم التى تمنح كل فرد «سِنّة لولى» بدلاً من التى فقدناها ونحن صغارًا فى بادئ حياتنا؛ وطوَّحنا بها فى «عين الشمس» تطبيقًا للمفاهيم المتوارثة للأسطورة الشعبية القديمة.
تعالوا بنا نرسم الابتسامة الصادقة دائمًا على وجوهنا؛ لنفتح أبواب الأمل والانطلاق إلى آفاق المستقبل لأوطاننا وللإنسانية جمعاء؛ لننعم بكل الحب القلبى الذى يتدفق من أنهار الصفاء الروحى؛ ونغزل عباءة جديدة لمفاهيم الدين والعقيدة السمحاء للتواصل الذى لا ينقطع أبدًا مع عظمة وجلال الله الخلاَّق العظيم.
اجعلوا للابتسامة يومًا يضاف إلى أعيادنا القومية الشعبية.. فهى بحق تقينا ذبول الروح
ترى.. هل أطلب المستحيل؟