الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قراصنة العقل.. والنشر.. والخيانة الوطنية!

قراصنة العقل.. والنشر.. والخيانة الوطنية!






بالتأكيد.. البون شاسع بين «الخطأ» و«الخطيئة»، فالخطأ أن تتعثر قدمك مصادفة وغصبًا بمن يسير إلى جانبك فى الزحام.. وتعتذر، والخطيئة أن تتعمد الاصطدام بقدمه وتصيبه بالضرر،  وتمضى بدمٍ بارد.. دون اعتذار!
وفى زحام عالم الأدب والأدباء والمجالات العلمية والبحوث الأكاديمية؛ تنتشر هذه الظواهر التى يتفاوت تصنيفها بين الخطأ والخطيئة والمصادفة والعَمْد، وقد يلجأ البعض ـ بعد اكتشاف سرقاتهم ـ إلى التبريرات المُعلبة الجاهزة للتفرقة الكاذبة وتمييع المعانى واللعب بالكلمات وتوزيعها بين التناص والتلاص والاقتباس وتوارد الخواطر والاتصال الروحى مع شياطين الشعر القاطنين فى وادى «عبقر»، دون أن تشوب وجوههم حُمرة الخجل من هذا الفعل المشين!
ولكن يختلف هذا الأمر بالنسبة لإصدارات الكتب الأدبية القصصية والروائية والشعرية والبحوث الأكاديمية؛ التى قامت بإصدارها دور النشر مُعنونة باسم صاحبها ومبدعها الأصلي؛ وتُعد من صُلب نتاج عقله وإبداعه الفكرى والعقلي، ثم تأتى المفاجأة بانتساب هذا الإبداع الوجدانى والعقلى إلى متسلق «مدعٍ» بملكيته لهذا الإبداع، ويأتى هذا ـ للأسف ـ بمساندة من دور النشر التى تساعده على هذه السرقة لتحقيق الأرباح الطائلة، دون أدنى  ذكر لمبدعها الأصلى  وهذا  أضعف الإيمان .. وبصرف النظر عن أحقيته المادية فى «ريع» هذه الإبداعات الخلاقة، فالحق الأدبى هو مايهم صاحب العمل الأصلى فى المقام الأول!
وصحيح أن السرقات الأدبية والفنية لمشاهيرالمبدعين العالميين؛ مازالت ترى كل يوم ابتداء من الاقتباسات من روائع شكسبير وديستوفسكى وألكسندر ديماس الأب والابن، والإلياذة والأوديسا وحتى «جحيم دانتى» ـ المأخوذة أصلاً عن رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى وغيرهم، وتقوم شركات الإنتاج السينمائى بتحويلها إلى أفلام ببعض التحريف والتمصير أو التعريب بتضمين بعض وقائع المجتمعات بقصد التمويه والتعتيم على السرقة والاقتباس الفج، إلا أن عالم عصر» الميديا» والتقدم التكنولوجى قام بفضح أصحاب «مافيا الثقافة الإلكترونية « الذين تفرغوا لسرقة نتاج الإبداع العقلى من أصحابه ومبدعيه الأصليين!
وحتى وقت قريب كانت هذه السرقات تقتصر على «القرصنة الموسيقية» على شبكات التواصل العنكبوتية، ولكن امتدت الأيدى العابثة إلى «الكتب الرقمية» بشكل متزايد، واستقبلها ناشرو تلك الكتب باستخدام «عقلية اللصوص» بإعادة طرحها بالأسواق بأسعارٍ مقبولة فى متناول القارئ دون مشاكل فنية أو تقنية، أو حتى إشارة خجلى إلى اسم مبدعها الحقيقى، فتلك هى «الخطيئة» الكبرى المتعمَّدة مع سبق الإصرار والترصد؛ دون وازعٍ من ضمير أخلاقى أو مهنى أو وطنى فى المقام الأول، بل تقع هذه «الخطيئة» ـ فى نظرى ونظر كل المنصفين والغيورين على المصالح القومية ـ ضمن مايندرج تحت عنوان «الخيانة الوطنية» الموثقة بالأدلة والمستندات؛ التى تصل عقوباتها إلى الإعدام رميًا بالرصاص فى ميدانٍ عام؛ لردع كل من تسوِّل له نفسه ارتكاب تلك الخيانة العظمى.
ولأننى لست ضليعة فى معرفة أحكام القانون وتفنيده لتلك «القرصنة» والتعدى السافر على «الملكية الفكرية»، كانت لى العودة والاستناد إلى رأى مواد القانون فى هذا الصدد، فيأتى نص المادة التى تقول: «يعاقب بالحبس والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر أو نسخ أو عرض بواسطة شبكة المعلومات أو إحدى وسائل  تقنية المعلومات مصنف فكرى أو أدبى أو بحث علمى أو جزء منه دون وجه حق»!
فمازالت  تلك العقوبات الرخوة لاتملك الحق فى احتفاظ المبدع بحق الملكية الفكرية لنتاج عقله، ونرى أخيرًا أنه تشعبت اتهامات سرقة هذه الحقوق، ولم تعد تقتصرعلى السطو على أفكار الأعمال الأدبية والفنية؛ بل طالت سرقة ألحان موسيقية، وتعريب أغانٍ وأفلام أجنبية، وتقديمها للمشاهد العربى المستهلك لسلعة الثقافة والفنون على أنّها تُعرض للمرة الأولى.
 ولكننى أتساءل من جهتى : هل تكفى هذه العقوبات ـ إذا تم تطبيقها دون إبطاء ـ للحفاظ على تراثنا المسروق والمشوَّه بفعل الأيدى العابثة المخرِّبة للعقل المصرى والعربى ؟ إننا بحاجة ماسة ضرورية وعاجلة إلى تغليظ تلك العقوبات القانونية بإطلاق حق الحبس لهؤلاء اللصوص، ومصادرة الدولة لأملاك دور النشر المملوكة لهم؛  التى تديرهذا الفعل المشين والمهين للتراث الفكرى ولعقل المبدعين الذين قاموا بجهودهم الذاتية بإضافة هذا الثراء الإبداعى إلى الساحة الثقافية المصرية والعربية والعالمية.
إننى  كباحثة أكاديمية ـ تعرف قدرالإبداع العقلى العلمى والأدبي؛ أشارك بالرأى.. بل أتضافرمع البرامج الجادة التى تثير هذا النوع من القضايا كقناة TEN وإعلامييها الحريصين على التراث الإنسانى الخلاَّق؛ للمحافظة على نتاج العقل البشرى من القرصنة، وأتمنى أن تستقيم فى حملات ممنهجة بكل المصداقية والشرف فى المقاصد والتوجهات وتستمر.. وأتمنى أن تتحول تلك المشكلة إلى قضية «رأى عام»؛ ولا تقتصر على برنامج بعينه هُنا أو هناك فى القنوات التليفزيونية والبرامج الثقافية؛ وحتى تختفى أصابع تلك الفئة المارقة من فلول «قراصنة العقول» والإبداع، وربما يأتى اليوم لنجد التطبيق العملى للمثل الشعبى الذى يقول: اللى اختشوا.. ماتوا!